التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ} (15)

قوله تعال : { يأهل الكتب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتب مبين ( 15 ) يهدي به الله من اتبع رضونه سبل السلام ويخرجهم من الظلمت إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم } .

أهل الكتاب ، اليهود والنصارى . والكتاب اسم جنس ، أي الكتب . والله يخاطب أصحاب الملتين بأنهم أهل الكتاب فهم أجدر أن يفيئوا إلى الحق ، وأن يهتدوا إلى سبيل الله وأن يسلكوا طريق الصواب الذي جاء به الإسلام ، إنهم أجدر الناس طرا باتباع دين الإسلام والتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . من أجل ذلك خاطبهم على أنهم أهل كتب سماوية منزلة فيها خبر النبي الأمين الخاتم صلى الله عليه وسلم فقال : { يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب } أي جاءكم الرسول محمد كاشفا للحقيقة التي حوتها كتبكم السماوية والتي أخفيتموها ظلما وعتوا . فقد أخفيتم خبر الرسول محمد الذي بشر به المسيح عليه السلام والذي جاء ذكره كذلك في التوراة ، وأخفيتم قصة أصحاب السبت الذين مسخوا قردة وخنازير ، وأخفيتم أيضا حد الرجم للزاني المحصن وغير ذلك من أحكام وقضايا .

قوله : { ويعفوا عن كثير } أي لا يبين ولا يذكر كثيرا مما أخفيتموه في كتابكم التوراة ، بل يتركه ، لأنه لا تدعو إلى إظهاره حاجة .

قوله : { قد جاءكم من الله نور وكتب مبين } النور هو الإسلام .

هذا الدين الكامل الحنيف بعقيدته وتشريعه وتصوراته وقيمه يصنع الإنسان الصالح . الإنسان السوي الرحيم . الحافل بكل ظواهر الخير والبر والود والصلوح . ذلكم الإنسان السليم المبرأ من عيوب المجتمعات الضالة والأهواء المريضة التي تمخضت عنها الملل الجانحة والعقائد والفلسفات الفاسدة السقيمة .

وقيل : النور هو محمد صلى الله عليه وسلم ، المؤيد بالوحي . والمبعوث للبشرية هاديا ومنيرا ، بما خوله الله من وجيبة التبيين للكتاب الحكيم ، وبسنته الوافية الزاخرة ، وسيرته العاطرة المثلى التي تكشف عن شخصيته السامقة الفذة .

والكتاب هو القرآن . وهو مبين ، أي ظاهر الإعجاز بما يقطع أنه من كلام الله . وهو مستبين وواضح كل الوضوح لمن أراد أن يعي أو يتذكر ، ولم يعتره شيء من التحريف أو التغيير أو التبديل . وقيل : مبين بفعله المتعدي . أي المظهر للناس ما اختلفوا فيه وما خفي عليهم والذي كشف للبشرية عن منهج الحق فيكون لها خير سبيل يفضي إلى الفلاح والنجاة .