وقوله تعالى : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب } الآية . قال عز و جل : { قد جاءكم رسولنا } ولم يقل : فلان بن فلان ليعلم أن الرسل ، عليهم الصلاة والسلام ، ليسوا يعرفون بالأسامي والأنساب ، ولكن إنما يعرفون بالآيات المعجزة والبراهين النيرة .
وفيه دليل أن من آمن بالرسل ، ولم يعرف بأسمائهم إنما يكون مؤمنا . ولم يأخذ علينا معرفة أسامي الرسل ، إنما أخذ علينا الإيمان بهم جملة . ألا ترى أن الله عز وجل لم يذكر في الكتاب الأنبياء والرسل جميعا واحدا فواحدا ، ولا ذكر أسماءهم ؟ إنما ذكر بعضا منهم . أفترى أن من لم يعرف أسماءهم لم يكن مؤمنا ؟ هذا بعيد .
وفيه دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه قال : { يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب } وهم إذن كتموا ذلك ، وأخفوه [ أعني الرؤساء ، فلم يخبروا واحدا أنهم كتموا ذلك ، وأخفوه ] حتى يبلغ الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف إلى أحد منهم ، أو أنظر في كتابهم قط ليعلم ما كتموا . فلما بين لهم ما قد كتموا ، وأخفوا عن الناس ، دل ذلك لهم أنه إنما علم ذلك بالله تعالى .
وقوله تعالى : { يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير } اختلف في تأويله وقراءته : قال بعضهم : نبين بالنون ونعفو ، كثيرا أي الله يبين لهم كثيرا [ مما يخفون من الكتاب ] ويعفو [ الله تعالى ] عن كثير إذا آمنوا ، ورجعوا عما كانوا يخفون ، ويكتمون .
وقال آخرون { يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير } أي جميع ما كانوا يخفون ، ويعفو عن جميع ذلك .
وأما عندنا فقوله : { يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير } بالياء أي رسول الله يبين لهم كثيرا { ويعفوا عن كثير } على قدر ما أذن له البيان لهم لأن الرسل إنما يأتون بالبراهين والحجج على قدر ما أذن لهم من الآيات . ألا ترى أن سحرة فرعون لما ألقوا { حبالهم وعصيهم } [ الشعراء : 44 ] فصارت حيات ، ولم يلق موسى عصاه حتى أذن الله له في ذلك ، وهو قوله تعالى : { وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون } [ الأعراف : 117 ] إنما أتى بالآية بعدما أذن له بذلك ؟ فعلى ذلك قوله تعالى : { يبين لكم كثيرا } إنما يبين على قدر ما أذن له بالبيان والحجة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { مما كنتم تخفون من الكتاب } يحتمل { مما كنتم تخفون من الكتاب } من الشرائع والأحكام ، ويحتمل : كتموا ما في الكتاب من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وصفته الكريمة .
وقوله تعالى : { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } هو القرآن ؛ سماه نورا لما يوضح ، ويضيء كل شيء على ما هو عليه حقيقته . وعلى ذلك يخرج قوله عز وجل { الله نور السماوات والأرض } الآية [ النور : 35 ] أي به يتضح كل شيء على ما هو عليه في الحقيقة ، وبالله التوفيق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.