قوله تعالى :{ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا } قال مجاهد : هذا من قول كفار مكة لمن آمن منهم . وقال الكلبي ومقاتل : قاله أبو سفيان لمن آمن من قريش ، اتبعوا سبيلنا : ديننا وملة آبائنا ، ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم ، فذلك قوله : { ولنحمل خطاياكم } أوزاركم ، قال الفراء : لفظه أمر ، ومعناه جزاء مجازه : إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم ، كقوله : { فليلقه اليم بالساحل } وقيل : هو جزم على الأمر ، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك ، فأكذبهم الله عز وجل فقال : { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون } فيما قالوا من حمل خطاياهم .
{ 12-13 } { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم ، وفي ضمن ذلك ، تحذير المؤمنين من الاغترار بهم والوقوع في مكرهم ، فقال : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا } فاتركوا دينكم أو بعضه واتبعونا في ديننا ، فإننا نضمن لكم الأمر { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } وهذا الأمر ليس بأيديهم ، فلهذا قال : { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ } لا قليل ولا كثير . فهذا التحمل ، ولو رضي به صاحبه ، فإنه لا يفيد شيئا ، فإن الحق للّه ، واللّه تعالى لم يمكن العبد من التصرف في حقه إلا بأمره وحكمه ، وحكمه { أن لَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
هذا غرض آخر من أغراض مخالطة المشركين مع المؤمنين وهو محاولة المشركين ارتداد المسلمين بمحاولات فتنة بالشك والمغالطة للذين لم يقدروا على فتنتهم بالأذى والعذاب : إما لعزتهم وخشية بأسهم مثل عُمر بن الخطاب فقد قيل : إن هذه المقالة قيلت له ، وإما لكثرتهم حين كثر المسلمون وأعيت المشركين حيلُ الصدّ عن الإسلام .
والمراد بالذين كفروا طائفة منهم وهم : أبو جهل ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، وأبو سفيان بن حرب ( قبل أن يُسلم ) قالوا للمسلمين ومنهم عمر بن الخطاب : لا نُبعث نحن ولا أنتم فإن عسى كان ذلك فإنا نحمل عنكم آثامكم . وإنما قالوا ذلك جهلاً وغروراً حاولوا بهما أن يحِجّوا المسلمين في إيمانهم بالبعث توهّماً منهم بأنهم إن كان البعث واقعاً فسيكونون في الحياة الآخرة كما كانوا في الدنيا أهل ذمام وحمالة ونقض وإبرام شأن سادة العرب أنهم إذا شفعوا شُفِّعوا وإن تحمَّلوا حُمِّلوا .
وهذا كقول العاصي بن وائل لخباب بن الأرتّ : لئن بعثني الله ليكونَنّ لي مال فأقضيك دَيْنك ، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً } [ مريم : 77 ] . وكل هذا من الجدال بالباطل وهو طريقة جدلية إن بنيت على الحق كما ينسب إلى علي بن أبي طالب في ضد هذا :
زعم المنجم والطبيبُ كلاهما *** لا تُحشر الأجساد قلتُ إليكما
إن صحّ قولكما فلستُ بخاسر *** أو صحّ قولي فالخسار عليكما
وحكى الله عنهم قولهم { وَلْنَحْمِلْ خطاياكم } بصيغة الأمر بلام الأمر : إما لأنهم نطقوا بمثل ذلك لبلاغتهم ، وإما لإفادة ما تضمنته مقالتهم من تأكيد تحملهم بذلك . فصيغة أمرهم أنفسهم بالحمل آكد من الخبر عن أنفسهم بذلك ، ومن الشرط وما في معناه ، لأن الأمر يستدعي الامتثال فكانت صيغة الأمر دالة على تحقيق الوفاء بالحمالة .
وواو العطف لجملة { ولنحمل } على جملة { اتبعوا سبيلنا } مراد منها المعية بين مضمون الجملتين في الأمر وليس المراد منه الجمع في الحصول فالجملتان في قوة جملتي شرط وجزاء ، والتعويل على القرينة .
فكان هذا القول أدل على تأكيد الالتزام بالحالة إن اتبع المسلمون سبيل المشركين ، من أن يقال : إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم ، بصيغة الشرط ، أو أن يقال : اتبعوا سبيلنا فنحمل خطاياكم ، بفاء السببية .
والحمل : مجاز تمثيلي لحال الملتزم بمشقة غيره بحال من يحمل متاع غيره فيؤول إلى معنى الحمالة والضمان .
ودل قوله { خطاياكم } على العموم لأنه جمع مضاف وهو من صيغ العموم .
وقوله { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } إبطال لقولهم { ولنحمل خطاياكم } ، نُقِض العمومُ في الإثبات بعموم في النفي ، لأن { شيء } في سياق النفي يُفيد العموم لأنه نكرة ، وزيادة حرف { من } تنصيص على العموم .
والحمل المنفي هو ما كان المقصود منه دفع التبعة عن الغير وتبرئته من جناياته ، فلا ينافيه إثبات حمل آخر عليهم هو حمل المؤاخذة على التضليل في قوله { ولَيَحْمِلُنّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } [ العنكبوت : 13 ] .
والكذب المخبر به عنهم هو الكذب فيما اقتضاه أمرهم أنفسهم بأن يحملوا عن المسلمين خطاياهم حسب زعمهم والوفاء بذلك كما كانوا في الدنيا فهو كذب لا شك فيه لأنه مخالف للواقع ولاعتقادهم .
ولذلك فجملة { إنهم لكاذبون } بدل اشتمال من جملة { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } لأن جملة { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } تضمنت عُرُوّ قولهم { ولنحمل خطاياكم } عن مطابقته للواقع في شيء وذلك يشتمل على أن مضمونها كذب صريح ، فكان مضمون جملة { إنهم لكاذبون } مما اشتمل عليه مضمون جملة { وما هم بحاملين } . وليس مضمون الثانية عين مضمون الأولى بل الثانية أوفى بالدلالة على أن كذبهم محقق وأنه صفة لهم في خبرهم هذا وفي غيره ، ووزان هذه الجملة وزان بيت علم المعاني :
أقول له ارحلْ لا تُقِيمن عندنا
إذ جعل الأيمة جملة ( لا تقيمن عندنا ) بدل اشتمال من جملة ( ارحل ) لأن جملة ( لا تقيمن ) أوفى بالدلالة على كراهيته وطلب ارتحاله ، ولهذا لم تعطف جملة { إنهم لكاذبون } لكمال الاتصال بينها وبين { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وقال الذين كفروا بالله من قريش للذين آمنوا بالله منهم:"اتّبِعُوا سَبِيلَنا" يقول: قالوا: كونوا على مثل ما نحن عليه من التكذيب بالبعث بعد الممات وجحود الثواب والعقاب على الأعمال، "وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ "يقول: قالوا فإنكم إن اتبعتم سبيلنا في ذلك، فبعثتم من بعد الممات، وجوزيتم على الأعمال، فإنا نتحمل آثام خطاياكم حينئذٍ... [عن] الضحاك يقول في قوله: "وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا"، هم القادة من الكفار، قالوا لمن آمن من الأتباع: اتركوا دين محمد واتبعوا ديننا... وقوله: "وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إنّهُمْ لَكاذِبُونَ" وهذا تكذيب من الله للمشركين القائلين للذين آمنوا "اتّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ" يقول جلّ ثناؤه: وكذبوا في قيلهم ذلك لهم، ما هم بحاملين من آثام خطاياهم من شيء، إنهم لكاذبون فيما قالوا لهم ووعدوهم، من حمل خطاياهم إن هم اتبعوهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} كأنهم قالوا ذلك لهم بعدما عجزوا عن الطعن في الحجج والآيات ما يوجب شبهة في ما عند الناس، وبعدما انقطعوا عن اللجاج فيها والاحتجاج عليها. فلما عجزوا عن ذلك كله فعند ذلك اشتغلوا بما ذكروا، وقالوا للمؤمنين مما ذكروا.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي نحمل ما تستحقون عليها من العقاب يوم القيامة عنكم هزؤا بهم وإشعارا بأن هذا لا حقيقة له...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
أمروهم باتباع سبيلهم وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم فعطف الأمر على الأمر، وأرادوا: ليجتمع هذان الأمران في الحصول أن تتبعوا سبيلنا وأن نحمل خطاياكم. والمعنى: تعليق الحمل بالإتباع، وهذا قول صناديد قريش: كانوا يقولون لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فإن عسى كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم. ونرى في المتسمين بالإسلام من يستنّ بأولئك فيقول لصاحبه -إذا أراد أن يشجعه على ارتكاب بعض العظائم: افعل هذا وإثمه في عنقي. وكم من مغرور بمثل هذا الضمان من ضعفة العامّة وجهلتهم...
فإن قلت: كيف سماهم كاذبين، وإنما ضمنوا شيئاً علم الله أنهم لا يقدرون على الوفاء به، وضامن ما لا يعلم اقتداره على الوفاء به، لا يسمى كاذباً لا حين ضمن ولا حين عجز، لأنه في الحالين لا يدخل تحت حدّ الكاذب وهو المخبر عن الشيء لا على ما هو عليه؟ قلت: شبه الله حالهم حيث علم أن ما ضمنوه لا طريق لهم إلى أن يفوا به، فكان ضمانهم عنده لا على ما عليه المضمون بالكاذبين الذين خبرهم لا على ما عليه المخبر، عنه. ويجوز أن يريد أنهم كاذبون، لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه، كالكاذبين الذين يعدون الشيء وفي قلوبهم نية الخلف.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ولنحمل} إخبار أنهم يحملون خطاياهم على جهة التشبيه بالثقل ولكنهم أخرجوه في صيغة الأمر لأنها أوجب وأشد تأكيداً في نفس السامع من المجازاة...وقال مجاهد: الحمل هو من الحمالة لا من الحمل على الظهر.
لما بين الله تعالى الفرق الثلاثة وأحوالهم، وذكر أن الكافر يدعو من يقول آمنت إلى الكفر بالفتنة، وبين أن عذاب الله فوقها، وكان الكافر يقول للمؤمن تصبر في الذل وعلى الإيذاء لأي شيء ولم لا تدفع عن نفسك الذل والعذاب بموافقتنا؟ فكان جواب المؤمن أن يقول خوفا من عذاب الله على خطيئة مذهبكم، فقالوا لا خطيئة فيه وإن كان فيه خطيئة فعلينا... قال: {وما هم بحاملين من خطاياهم} وقال بعد هذا: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} فهناك نفى الحمل، وههنا أثبت الحمل، فكيف الجمع بينهما، فنقول قول القائل: فلان حمل عن فلان يفيد أن حمل فلان خفَّ، وإذا لم يخف حمله فلا يكون قد حمل منه شيئا، فكذلك ههنا ما هم بحاملين من خطاياهم يعني لا يرفعون عنهم خطيئة وهم يحملون أوزارا بسبب إضلالهم ويحملون أوزارا بسبب ضلالتهم، كما قال النبي عليه السلام:"من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء".
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان السياق للفتنة والأذى في الله المحقق أمره بإذا دون "إن "وكان الكفار يفتنون من أسلم في أول الأمر، ذكر سبحانه بعض ما كانوا يقولون لهم عند الفتنة جهلاً بالله وغروراً، فقال معجباً منهم، عاطفاً على {ومن الناس من يقول}: {وقال الذين كفروا}. اغتراراً منهم بالله، وجرأة على حماه المنيع {للذين} أي لطائفة ممن يقول بلسانه: آمنا بالله، وهم الذين {آمنوا} أي حقيقة، جهلاً منهم بما خالط قلوبهم من بشاشة الإيمان، وأنوار العرفان: {اتبعوا} أي كلفوا أنفسكم بأن تتبعوا {سبيلنا} أي طريق ديننا، وعطفوا وعدهم في مجازاتهم على ذلك بصيغة الأمر على أمرهم باتباعهم للدلالة على أنه محقق لا شك فيه فقالوا: {ولنحمل خطاياكم} بوعد صادق وأمر محتوم جازم، إن كان ما تقولون حقاً إنه لا بد لنا من معاد نؤاخذ فيه بالخطايا، ولو دروا لعمري ما الخبر، يوم يقولون: لا مفر، ما عرضوا أنفسهم لهذا الخطر، يوم يود كل امرئ لو افتدى بماله وبنيه، وعرسه وأخيه، وصديقه وأبيه، ويكون كلامهم -وإن كان أمراً- بمعنى الخبر لأنه وعد كذبه سبحانه لأن معناه: إن كتب عليكم إثم حملناه عنكم بوعد لا خلف فيه {وما هم} أي الكفار {بحاملين} ظاهراً ولا باطناً {من خطاياكم} أي المؤمنين {من شيء} وهم يقدرون أن لا يحملوا، أو حملاً يخفف عنهم العذاب، أي إنهم إذا عاينوا تلك الأحوال، وطاشت عقولهم في بحار هاتيك الأهوال، التي لا يقوم لها الجبال، تبرؤوا ممن قالوا له هذا المقال، فقد أخبروا بما لا يطابق الواقع، ويجوز أن يكونوا تعمدوا الكذب حال الإخبار إن كانت نيتهم أنهم لا يفون على تقدير تحقق الجزاء.
ولما علم من هذا كذبهم بكل حال سواء تعمدوا أو لا، صرح به تأكيداً لمضمون ما قبله، مؤكداً لأجل ظن من غروه صدقهم في قوله: مستأنفاً: {إنهم لكاذبون}...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} بيانٌ لحملهم للمؤمنين على الكفرِ بالاستمالةِ بعد حملِهم لهم عليه بالأذيَّةِ والوعيدِ. ووصفُهم بالكفرِ هَهُنا دونَ ما سبق لما أنَّ مساقَ الكلامِ لبيان جنايتِهم وفيما سبق لبيانِ جنايةِ من أضلُّوه. واللامُ للتَّبليغِ أي قالُوا مخاطبينَ لهم {اتبعوا سَبِيلَنَا} أي اسلكُوا طريقنَا التي نسلكُها في الدِّينِ، عبَّر عن ذلكَ بالاتباعِ الذي هو المشيُ خلفَ ماشٍ آخرَ تنزيلاً للمسلك منزلةَ السَّالكِ فيه أو اتبعونا في طريقتنا... {إِنَّهُمْ لكاذبون} حيث أخبروا في ضمنِ وعدِهم بالحمل بأنَّهم قادرون على إنجازِ ما وعدوا فإنَّ الكذبَ كما يتطَّرقُ إلى الكلامِ باعتبار منطوقِه يتطرَّقُ إليه باعتبارِ ما يلزمُ مدلوله كما مرَّ في قوله تعالى: {أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صادقين} [سورة البقرة، الآية31]
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أخيرا يعرض فتنة الإغواء والإغراء؛ ويعرض معها فساد تصور الذين كفروا للتبعة والجزاء؛ ويقرر فردية التبعة وشخصية الجزاء وهو المبدأ الإسلامي الكبير، الذي يحقق العدل في أجلى مظاهره، وأفضل أوضاعه... وقد كان الذين كفروا يقولون هذا تمشيا مع تصورهم القبلي في احتمال العشيرة للديات المشتركة والتبعات المشتركة. يحسبون أنهم قادرون على احتمال جريرة الشرك بالله عن سواهم وإعفائهم منها. ذلك إلى التهكم على قصة الجزاء في الآخرة إطلاقا: (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم).. ومن ثم يرد عليهم الرد الحاسم، فيرد كل إنسان إلى ربه فردا، يؤاخذه بعمله، لا يحمل أحد عنه شيئا: (وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء).. ويجيبهم بما في قولتهم هذه من كذب وادعاء: (إنهم لكاذبون).
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا غرض آخر من أغراض مخالطة المشركين مع المؤمنين وهو محاولة المشركين ارتداد المسلمين بمحاولات فتنة بالشك والمغالطة للذين لم يقدروا على فتنتهم بالأذى والعذاب: إما لعزتهم وخشية بأسهم مثل عُمر بن الخطاب فقد قيل: إن هذه المقالة قيلت له، وإما لكثرتهم حين كثر المسلمون وأعيت المشركين حيلُ الصدّ عن الإسلام.
والمراد بالذين كفروا طائفة منهم وهم: أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب (قبل أن يُسلم) قالوا للمسلمين ومنهم عمر بن الخطاب: لا نُبعث نحن ولا أنتم فإن عسى كان ذلك فإنا نحمل عنكم آثامكم. وإنما قالوا ذلك جهلاً وغروراً حاولوا بهما أن يحِجّوا المسلمين في إيمانهم بالبعث توهّماً منهم بأنهم إن كان البعث واقعاً فسيكونون في الحياة الآخرة كما كانوا في الدنيا أهل ذمام وحمالة ونقض وإبرام شأن سادة العرب أنهم إذا شفعوا شُفِّعوا وإن تحمَّلوا حُمِّلوا.