ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { واصبر وما صبرك إلا بالله } ، أي : بمعونة الحال وتوفيقه ، { ولا تحزن عليهم } ، في إعراضهم عنك ، { ولا تك في ضيق مما يمكرون } ، أي : فيما فعلوا من الأفاعيل . قرأ ابن كثير هاهنا وفي النمل : " ضيق " بكسر الضاد ، وقرأ الآخرون بفتح الضاد ، قال أهل الكوفة : هما لغتان مثل رطل ورطل ، وقال أبو عمرو : الضيق بالفتح : الغم ، وبالكسر : الشدة ، وقال أبو عبيدة : الضيق بالكسر في قلة المعاش وفي المساكن ، فأما ما كان في القلب والصدر فإنه بالفتح . وقال ابن قتيبه : الضيق تخفيف مثل هين وهين ، ولين ولين ، فعلى هذا هو صفة ، كأنه قال : ولا تكن في أمر ضيق من مكرهم .
ثم أمر رسوله بالصبر على دعوة الخلق إلى الله والاستعانة بالله على ذلك وعدم الاتكال على النفس فقال :
{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ } ، هو الذي يعينك عليه ويثبتك . { وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } ، إذا دعوتهم فلم تر منهم قبولا لدعوتك ، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئا . { وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ } ، أي : شدة وحرج ، { مِمَّا يَمْكُرُونَ } ، فإن مكرهم عائد إليهم وأنت من المتقين المحسنين .
ثم صرح بالأمر به لرسوله ؛ لأنه أولى الناس به لزيادة علمه بالله ووثوقه عليه فقال : { واصبر وما صبرك إلا بالله } ، إلا بتوفيقه وتثبيته . { ولا تحزن عليهم } ، على الكافرين أو على المؤمنين وما فعل بهم . { ولا تك في ضيق مما يمكرون } ، في ضيق صدر من مكرهم ، وقرأ ابن كثير في : { ضيق } ، بالكسر هنا وفي " النمل " ، وهما لغتان كالقول والقيل ، ويجوز أن يكون الضيق تخفيف ضيق .
خص النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصبر للإشارة إلى أن مقامه أعلى ، فهو بالتزام الصبر أولى ، أخذاً بالعزيمة بعد أن رخّص لهم في المعاقبة .
وجملة { وما صبرك إلا بالله } معترضة بين المتعاطفات ، أي وما يحصل صبرك إلا بتوفيق الله إيّاك . وفي هذا إشارة إلى أن صبر النبي صلى الله عليه وسلم عظيم لقي من أذى المشركين أشدّ مما لقيه عموم المسلمين . فصبره ليس كالمعتاد ، لذلك كان حصوله بإعانة من الله .
وحذره من الحزن عليهم أن لم يؤمنوا كقوله : { لعلّك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } [ سورة الشعراء : 3 ] .
ثم أعقبه بأن لا يضيق صدره من مكرهم ، وهذه أحوال مختلفة تحصل في النفس باختلاف الحوادث المسببة لها ، فإنهم كانوا يعاملون النبي مرة بالأذى علناً ، ومرة بالإعراض عن الاستماع إليه وإظهارِ أنهم يغيظُونه بعدم متابعته ، وآونة بالكيد والمكر له وهو تدبير الأذى في خفاء .
والضيق بفتح الضّاد وسكون الياء مصدر ضاق ، مثل السّير والقَول . وبها قرأ الجمهور .
ويقال : الضِيق بكسر الضاد مثل : القيل . وبها قرأ ابن كثير .
وتقدم عند قوله : { وضائق به صدرك } [ سورة هود : 12 ] . والمراد ضيق النفس ، وهو مستعار للجزع والكدر ، كما استعير ضدّه وهو السعة والاتّساع للاحتمال والصبر . يقال : فلان ضيق الصدر ، قال تعالى في آخر الحجر { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } [ سورة الحجر : 97 ] . ويقال سعة الصدر .
والظرفية في { ضيق } مجازية ، أي لا يلابسك ضيق ملابسة الظرف للحال فيه .
و { ما } مصدرية ، أي من مكرهم . واختير الفعل المنسبك إلى مصدر لما يؤذن به الفعل المضارع من التجدّد والتكرّر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.