فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ} (127)

{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ( 127 ) } .

ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر فقال : { وَاصْبِرْ } على ما أصابك من صنوف الأذى ، { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ } ، أي : بتوفيقه وتثبيته ؛ والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء ، أي : وما صبرك مصحوبا بشيء من الأشياء إلا بتوفيقه لك ، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهاه عن الحزن فقال : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } ، أي : على الكافرين في إعراضهم عنك واستحقاقهم للعذاب الدائم ، أو لا تحزن على قتلى أحد فإنهم قد أفضوا إلى رحمة الله .

{ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ } ، أي : ضيق صدر ، قرئ بفتح الضاد وكسرها وهما سبعيتان ، قال ابن السكيت : هما سواء ، وقال الفراء : الضيق بالفتح ، ما ضاق عنه صدرك ، وبالكسر ، ما يكون في الذي يتسع كالدار والثواب ، وكذا قال الأخفش : وهو من الكلام المقلوب ؛ لأن الضيق وصف للإنسان يكون فيه ولا يكون الإنسان فيه ، وكأنه أراد وصف الضيق بالعظم حتى صار كالشيء المحيط بالإنسان من جميع جوانبه .

وقال هنا : { تك } ، بحذف النون ؛ ليكون ذلك مبالغة في التسلية وأثبتها في النمل على القياس ؛ ولأن الحزن ثم دون الحزن هنا وإلى ذلك أشار في التقرير : { مِّمَّا يَمْكُرُونَ } ، أي : من مكرهم بك فيما يستقبل من الزمان ، و { ما } ، مصدرية أو بمعنى الذي .