السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ} (127)

المرتبة الثالثة : هو الأمر الجازم بالترك وهو قوله تعالى : { واصبر } ؛ لأنه في المرتبة الثانية ذكر أنّ الترك خير وأولى وفي هذه المرتبة الثالثة : صرّح بالأمر بالصبر في هذا المقام . ولما كان الصبر في هذا المقام شديداً شاقاً ذكر بعده ما يفيد سهولته بقوله تعالى : { وما صبرك إلا بالله } أي : الملك الأعظم الذي شرع لك هذا الشرع الأقوم فذلك بتوفيقه ومعونته وهذا هو السبب الكلي الأصلي . ثم ذكر بعده ما هو السبب الجزئي القريب بقوله سبحانه وتعالى : { ولا تحزن عليهم } أي : في شدّة كفرهم فتبالغ في الحرص الباخع للنفس ، { ولا تك في ضيق } ، ولو قل كما لوّح إليه بتنوين التحقير ، { مما يمكرون } ، أي : من استمرار مكرهم بك ، { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } [ الحجر ، 99 ] ، وكأنك به وقد أتى فاصبر فإنّ الله معزك ومظهر دينك . وقرأ ابن كثير بكسر الضاد والباقون بنصبها .

تنبيه : هذا من الكلام المقلوب ؛ لأنّ الضيق صفة والصفة تكون حاصلة في الموصوف ولا يكون الموصوف حاصلاً في الصفة فكان المعنى : ولا يكن الضيق فيك إلا أنّ الفائدة في قوله تعالى : { ولا تك في ضيق } ، هو أنّ الضيق إذا عظم وقوي صار كالشيء المحيط بالإنسان من كل الجوانب ، وصار كالقميص المحيط به فكانت الفائدة في ذكر هذا اللفظ هذا المعنى .