122- هذا مصير أتباع الشيطان ، أما مصير أتباع الله فالخير ، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة ، ولم يسيروا وراء أوهام كاذبة ، فإن الله - تعالى - سيدخلهم يوم القيامة جنات فيها أنهار تجري تحت ظلالها ، وهي أكبر من أعظم جنات الدنيا ، وإن ذلك مؤكد ، لأنه وعد الله ، ووعد الله لا يكون إلا حقاً ، لا غرور فيه ، إذ هو مالك كل شيء ، ولا يتصور أن يكون أحدٌ في الوجود أصدق من الله وعداً وقولا .
ولما بين مآل الأشقياء أولياء الشيطان ذكر مآل السعداء أوليائه فقال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ْ }{[241]}
أي : { آمَنُوا ْ } بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والقَدَر خيره وشره على الوجه الذي أمروا به علما وتصديقا وإقرارا . { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ْ } الناشئة عن الإيمان ؟
وهذا يشمل سائر المأمورات من واجب ومستحب ، الذي على القلب ، والذي على اللسان ، والذي على بقية الجوارح . كل له من الثواب المرتب على ذلك بحسب حاله ومقامه ، وتكميله للإيمان والعمل الصالح .
ويفوته ما رتب على ذلك بحسب ما أخل به من الإيمان والعمل ، وذلك بحسب ما علم من حكمة الله ورحمته ، وكذلك وعده الصادق الذي يعرف من تتبع كتاب الله وسنة رسوله .
ولهذا ذكر الثواب المرتب على ذلك بقوله : { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ْ } فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من أنواع المآكل والمشارب اللذيذة ، والمناظر العجيبة ، والأزواج الحسنة ، والقصور ، والغرف المزخرفة ، والأشجار المتدلية ، والفواكه المستغربة ، والأصوات الشجية ، والنعم السابغة ، وتزاور الإخوان ، وتذكرهم ما كان منهم في رياض الجنان ، وأعلى من ذلك كله وأجلّ رضوان الله عليهم وتمتع الأرواح بقربه ، والعيون برؤيته ، والأسماع بخطابه الذي ينسيهم كل نعيم وسرور ، ولولا الثبات من الله لهم لطاروا وماتوا من الفرح والحبور ، فلله ما أحلى ذلك النعيم وما أعلى ما أنالهم الرب الكريم ، وماذا حصل لهم من كل خير وبهجة لا يصفه الواصفون ، وتمام ذلك وكماله الخلود الدائم في تلك المنازل العاليات ، ولهذا قال : { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ْ }
فصدق الله العظيم الذي بلغ قولُه وحديثُه في الصدق أعلى ما يكون ، ولهذا لما كان كلامه صدقا وخبره حقا ، كان ما يدل عليه مطابقةً وتضمنًا وملازمةً كل ذلك مراد من كلامه ، وكذلك كلام رسوله صلى الله عليه وسلم لكونه لا يخبر إلا بأمره ولا ينطق إلا عن وحيه .
ثم ذكر حال السعداء الأتقياء وما لهم في مآلهم من الكرامة التامة ، فقال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي : صَدّقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات ، وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } أي : بلا زوال ولا انتقال { وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا } أي : هذا وعد من الله ووعد الله معلوم حقيقة أنه واقع لا محالة ، ولهذا أكده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر ، وهو قوله : { حقا } ثُمَّ قَال { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا } أي : لا أحد أصدق منه قولا وخبرًا ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : " إن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهَدْي هَدْي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور مُحْدَثاتها ، وكل مُحْدَثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار " .
{ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَالّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ } : والذين صّدقوا الله ورسوله ، وأقّروا له بالواحدانية ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنبوّة وعملوا الصالحات ، يقول : وأدّوا فرائض الله التي فرضها عليهم . { سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تحْتِها الأنْهارُ } يقوله : سوف ندخلهم يوم القيامة إذا صاروا إلى الله جزاء بما عملوا في الدنيا من الصالحات جنات : يعني بساتين تجري من تحتها الأنهار . { خالدِينَ فيها أبَدا } يقول : باقين في هذه الجنات التي وصفها أبدا دائما . وقوله { وَعْدَ اللّهِ حَقّا } يعين : عدة من الله لهم ذلك في الدنيا حقا ، يقينا صادقا ، لا كَعِدَة الشيطان الكاذبة التي هي غرور من وعدها من أوليائه ، ولكن عِدة ممن لا يكذب ولا يكون منه الكذب ولا يخلف وعده . وإنما وصف جلّ ثناؤه وعده بالصدق والحقّ في هذه لما سبق من خبره جلّ ثناؤه ، عن قول الشيطان الذي قصه في قوله ، وقال : { لاَءَتّخِذَنّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيبا مَفْرُوضا وَلأُضِلّنّهُمْ وَلأُمَنّيَنّهُمْ ووَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعامِ } ثم قال جلّ ثناؤه : { يَعِدُهُمْ ويُمَنّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا } ولكن الله يعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه سيدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، وعدا منه حقا ، لا كوعد الشيطان الذي وصف صفته . فوصف جلّ ثناؤه الوعدين والواعدين وأخبر بحكم أهل كل وعد منهما تنبيها منه جلّ ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم وخلاصهم من الهلكة والعطب ، لينزجروا عن معصيته ويعملوا بطاعته ، فيفوزوا بما أعدّ لهم في جنانه من ثوابه . ثم قال لهم جلّ ثناؤه : { وَمَنْ أصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً } يقول : ومن أصدق أيها الناس من الله قيلاً : أي لا أحد أصدق منه قيلاً ، فكيف تتركون العمل بما وعدكم على العمل به ربكم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، وتكفرون به ، وتخالفون أمره ، وأنتم تعلمون أن لا أحد أصدق منه قيلاً ، وتعملون بما يأمركم به الشيطان ، رجاء لإدراك ما يعدكم من عِداته الكاذبة وأمانيه الباطلة ، وقد علمتم أن عداته غرور لا صحة لها ولا حقيقة ، وتتخذونه وليا من دون الله وتتركون أن تطيعوا الله فيما يأمركم به وينهاكم عنه ، فتكونوا له أولياء ؟ ومعنى القِيل والقول : واحد .
ولما أخبر تعالى عن الكفار الذين يتخذون الشيطان ولياً ، وأعلم بغرور وعد الشيطان لهم ، وأعلم بصيور{[4291]} أمرهم وأنه إلى جهنم ، فاقتضى ذلك كله التحذير ، أعقب ذلك - عز وجل{[4292]} - بالترغيب في ذكر حالة المؤمنين ، وأعلم بصيور أمرهم وأنه إلى النعيم المقيم ، وأعلم بصحة وعده تعالى لهم ، ثم قرر ذلك بالتوقيف عليه في قوله { ومن أصدق من الله قيلاً } والقيل والقول واحد ، ونصبه على التمييز ، وقرأت فرقة «سندخلهم » بالنون وقرأت فرقة «سيدخلهم » بالياء ، و { وعد الله } نصب على المصدر . و { حقا } مصدر أيضاً مؤكد لما قبله .
عطف على جملة { أولئك مأواهم جهنّم } [ النساء : 121 ] جرياً على عادة القرآن في تعقيب الإنذار بالبشارة ، والوعيدِ بالوعد .
وقوله : { وعد الله } مصدر مؤكّد لمضمون جملة : { سندخلهم جنات تجري } الخ ، وهي بمعناه ، فلذلك يسمّي النحاة مثلَه مؤكّداً لنفسه ، أي مؤكّداً لما هو بمعناه .
وقوله : { حقاً } مصدر مؤكّد لِمضمون { سندخلهم جنات } ، إذ كان هذا في معنى الوعد ، أي هذا الوعد أحقّقه حقّاً ، أي لا يتخلّف . ولمّا كان مضمونُ الجملة التي قبله خالياً عن معنى الإحقاق كان هذا المصدر ممّا يسميّه النحاة مصدراً مؤكّداً لغيره .
وجملة { ومن أصدق من الله } تذييل للوعد وتحقيق له : أي هذا من وعد الله ، ووعود الله وعود صدق ، إذ لا أصدقُ من الله قيلا . فالواو اعتراضية لأنّ التذييل من أصناف الاعتراض وهو اعتراض في آخر الكلام ، وانتصب { قيلا } على تمييز نسبة من { أصدق من الله } .
والقيل : القول ، وهو اسم مصدر بوزن فِعْل يجيء في الشرّ والخير .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر بمستقر من لا يتولى الشيطان، فقال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا}: صدقا أنه منجز لهم ما وعدهم.
{ومن أصدق من الله قيلا}، فليس أحد أصدق قولا منه عز وجل في أمر الجنة والنار والبعث وغيره...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{وَالّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ}: والذين صّدقوا الله ورسوله، وأقّروا له بالوحدانية ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنبوّة "وعملوا الصالحات": وأدّوا فرائض الله التي فرضها عليهم.
{سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تحْتِها الأنْهارُ}: سوف ندخلهم يوم القيامة إذا صاروا إلى الله جزاء بما عملوا في الدنيا من الصالحات "جنات": يعني بساتين تجري من تحتها الأنهار.
{خالدِينَ فيها أبَدا}: باقين في هذه الجنات التي وصفها أبدا دائما. {وَعْدَ اللّهِ حَقّا}: عدة من الله لهم ذلك في الدنيا حقا، يقينا صادقا، لا كَعِدَة الشيطان الكاذبة التي هي غرور من وعدها من أوليائه، ولكن عِدة ممن لا يكذب ولا يكون منه الكذب ولا يخلف وعده. وإنما وصف جلّ ثناؤه وعده بالصدق والحقّ في هذه لما سبق من خبره جلّ ثناؤه، عن قول الشيطان الذي قصه في قوله، وقال: {لأتّخِذَنّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيبا مَفْرُوضا وَلأُضِلّنّهُمْ وَلأُمَنّيَنّهُمْ وَلآمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعامِ} ثم قال جلّ ثناؤه: {يَعِدُهُمْ ويُمَنّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا}، ولكن الله يعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه سيدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وعدا منه حقا، لا كوعد الشيطان الذي وصف صفته. فوصف جلّ ثناؤه الوعدين والواعدين وأخبر بحكم أهل كل وعد منهما تنبيها منه جلّ ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم وخلاصهم من الهلكة والعطب، لينزجروا عن معصيته ويعملوا بطاعته، فيفوزوا بما أعدّ لهم في جنانه من ثوابه. {وَمَنْ أصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}: ومن أصدق أيها الناس من الله قيلاً: أي لا أحد أصدق منه قيلاً، فكيف تتركون العمل بما وعدكم على العمل به ربكم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وتكفرون به، وتخالفون أمره، وأنتم تعلمون أن لا أحد أصدق منه قيلاً، وتعملون بما يأمركم به الشيطان، رجاء لإدراك ما يعدكم من عِداته الكاذبة وأمانيه الباطلة، وقد علمتم أن عداته غرور لا صحة لها ولا حقيقة، وتتخذونه وليا من دون الله وتتركون أن تطيعوا الله فيما يأمركم به وينهاكم عنه، فتكونوا له أولياء؟ ومعنى القِيل والقول: واحد.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" ومن أصدق من الله قيلا "صورته صورة الاستفهام، والمراد به التقرير والإنكار، والمعنى: لا أحد أصدق من الله قيلا، أي قولا ووعدا...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
الذين أسعدناهم حكماً وقَوْلاً، أنجدناهم حين أوجدناهم كرماً وطَوْلاً، ثم إنَّا نُحقِّق لهم الموعودَ من الثواب، بما نُكْرِمُهم به من حسن المآب...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَعْدَ الله حَقّا} مصدران: الأول مؤكد لنفسه، والثاني مؤكد لغيره. {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً} توكيد ثالث بليغ.
فإن قلت: ما فائدة هذه التوكيدات؟ قلت: معارضة مواعيد الشيطان الكاذبة وأمانيه الباطلة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه، ترغيباً للعباد في إيثار ما يستحقون به تنجز وعد الله، على ما يتجرعون في عاقبته غصص إخلاف مواعيد الشيطان.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وأسند الفعل إلى نون العظمة، اعتناء بأنه تعالى هو الذي يتولى إدخالهم الجنة وتشريفاً لهم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
ثم ذكر حال السعداء الأتقياء وما لهم في مآلهم من الكرامة التامة، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: صَدّقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات، وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أي: يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أي: بلا زوال ولا انتقال {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} أي: هذا وعد من الله ووعد الله معلوم حقيقة أنه واقع لا محالة، ولهذا أكده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر، وهو قوله: {حقا} ثُمَّ قَال {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا} أي: لا أحد أصدق منه قولا وخبرًا، لا إله إلا هو، ولا رب سواه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته:"إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهَدْي هَدْي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور مُحْدَثاتها، وكل مُحْدَثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ذكر ما للكافرين ترهيباً أتبعه ما لغيرهم ترغيباً فقال: {والذين آمنوا} أي بوعد لا خلف فيه {جنات تجري} وقرب وبعض بقوله: {من تحتها الأنهار} أي لرّي أرضها، فحيث ما أجرى منها نهر جرى. ولما كان الانزعاج عن مطلق الوطن -ولو لحاجة تعرض- شديداً، فكيف بهذا! قال: {خالدين فيها} ولما كان الخلود يطلق على مجرد المكث الطويل، دل على أنه لا ب"إلى" آخر بقوله: {أبداً} ثم أكد ذلك بأن الواقع يطابقه، وهو يطابق الواقع فقال: {وعد الله حقاً} أي يطابقه الواقع، لأنه الملك الأعظم وقد برز وعده بذلك، ومن أحق من الله وعداً، و أخبر به خبراً صادقًا يطابق الواقع {ومن أصدق من الله} أي المختص بصفات الكمال {قيلاً *}...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وعاقبة من يفتلون من حبالته، لأنهم آمنوا بالله حقا. والمؤمنون بالله حقا في نجوة من هذا الشيطان لأنه -لعنة الله عليه- وهو يستأذن في إغواء الضالين، لم يؤذن له في المساس بعباد الله المخلصين. فهو إزاءهم ضعيف ضعيف؛ كلما اشتدت قبضتهم على حبل الله المتين:
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدا، وعد الله حقا، ومن أصدق من الله قيلا؟)..
فهي جهنم ولا محيص عنها لأولياء الشيطان.. وهي جنات الخلد لا خروج منها لأولياء الله.. وعد الله:
(ومن أصدق من الله قيلا)؟ والصدق المطلق في قول الله هنا؛ يقابل الغرور الخادع، والأماني الكاذبة في قول الشيطان هناك! وشتان بين من يثق بوعد الله، ومن يثق بتغرير الشيطان!
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
إن ذلك الجزاء اتصف بأمور ثلاثة:
أولها: أنه نعيم مادي فهو جنات وحدائق فيها كل ما تشتهيه الأنفس. وثانيها: أن فيها نعيما معنويا تلذ به الأعين، وتنشرح له الصدور، وهو أن الأنهار تجري من تحت قصور، فتريهم منظرا بهيجا يسر الناظرين إليه. وثالثها: أنها خالدة لا تنقطع ولا تزول، ولا يعرض لها تغيير ولا تبديل. وهناك ما هو أغلى من كل هذا وهو رضوان الله تعالى...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ}؛ فتحركوا في الحياة على أساس الإيمان، ولم يكتفوا بالتصورات الإيمانية بعيداً عن خط العمل، خلافاً للذين يتصورون أن الإيمان بالقلب وأنه لا ضرورة للعمل؛ فإن ذلك يعني عدم صدق الإيمان. ولهذا عبّر القرآن في أكثر من آية عن الانحراف بأنه كفر، للدلالة على أن قيمة الإيمان تتحدد بمقدار ما تتحرك في خط العمل...