المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (17)

17- أفَمَنْ كان يسير في حياته على بصيرة وهداية من ربه ، ويطلب الحق مخلصاً ، معه شاهد بالصدق من الله وهو القرآن ، وشاهد من قبله وهو كتاب موسى الذي أنزله الله قدوة يتبع ما جاء به ، ورحمة لمتبعيه ، كمن يسير في حياته على ضلال وعماية ، فلا يهتم إلا بمتاع الدنيا وزينتها ؟ ! أولئك الأولون هم الذين أنار الله بصائرهم ، يؤمنون بالنبي والكتاب الذي أنزل عليه . ومن يكفر به ممن تألبوا على الحق وتحزّبوا ضده ، فالنار موعده يوم القيامة . فلا تكن - أيها النبي - في شك من هذا القرآن ، إنه الحق النازل من عند ربك ، لا يأتيه الباطل ، ولكن أكثر الناس تضلّهم الشهوات ، فلا يؤمنون بما يجب الإيمان به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (17)

قوله تعالى : { أفمن كان على بينة } ، بيان ، { من ربه } ، قيل : في الآية حذف ، ومعناه : أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها ، أو من كان على بينة من ربه كمن هو في الضلالة والجهالة ، والمراد بالذي هو على بينة من ربه : النبي صلى الله عليه وسلم . { ويتلوه شاهد منه } ، أي : يتبعه من يشهد به بصدقه . واختلفوا في هذا الشاهد : فقال ابن عباس ، وعلقمة ، وإبراهيم ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وأكثر أهل التفسير : إنه جبريل عليه السلام . وقال الحسن وقتادة : هو لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى ابن جريج عن مجاهد قال : هو ملك يحفظه ويسدده . وقال الحسين بن الفضل : هو القرآن ونظمه وإعجازه . وقيل : هو على بن أبي طالب رضي الله عنه . قال علي : ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه آية من القرآن ، فقال له رجل : وأنت أي شيء نزل فيك ؟ قال : { ويتلوه شاهد منه } . وقيل : شاهد منه هو الإنجيل . { ومن قبله } ، أي : ومن قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : من قبل نزول القرآن . { كتاب موسى } ، أي : كان كتاب موسى ، { إماماً ورحمةً } ، لمن اتبعها ، يعني : التوراة ، وهي مصدقة للقرآن ، وشاهد للنبي صلى الله عليه وسلم ، { أولئك يؤمنون به } ، يعني : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : أراد الذين أسلموا من أهل الكتاب . { ومن يكفر به } ، أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : بالقرآن ، { من الأحزاب } ، من الكفار من أهل الملل كلها ، { فالنار موعده } .

أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر الزيادي ، أنا محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام بن منبه ، ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، ولا يهودي ، ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " .

قوله تعالى : { فلا تك في مرية منه } ، أي : في شك منه ، { إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون* } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (17)

{ 17 } { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ }

يذكر تعالى ، حال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من ورثته القائمين بدينه ، وحججه الموقنين بذلك ، وأنهم لا يوصف بهم غيرهم ولا يكون أحد مثلهم ، فقال : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ } بالوحي الذي أنزل{[428]}  الله فيه المسائل المهمة ، ودلائلها الظاهرة ، فتيقن تلك البينة .

{ وَيَتْلُوهُ } أي : يتلو هذه البينة والبرهان برهان آخر { شَاهِدٌ مِنْهُ } وهو شاهد الفطرة المستقيمة ، والعقل الصحيح ، حين شهد حقيقة ما أوحاه الله وشرعه ، وعلم بعقله حسنه ، فازداد بذلك إيمانا إلى إيمانه .

{ و } ثم شاهد ثالث وهو { كِتَابُ مُوسَى } التوراة التي جعلها الله { إِمَامًا } للناس { وَرَحْمَةً } لهم ، يشهد لهذا القرآن بالصدق ، ويوافقه فيما جاء به من الحق .

أي : أفمن كان بهذا الوصف قد تواردت عليه شواهد الإيمان ، وقامت لديه أدلة اليقين ، كمن هو في الظلمات والجهالات ، ليس بخارج منها ؟ !

لا يستوون عند الله ، ولا عند عباد الله ، { أُولَئِكَ } أي : الذين وفقوا لقيام الأدلة عندهم ، { يُؤْمِنُونَ } بالقرآن حقيقة ، فيثمر لهم إيمانهم كل خير في الدنيا والآخرة .

{ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ } أي : القرآن { مِنَ الْأَحْزَابِ } أي : سائر طوائف أهل الأرض ، المتحزبة على رد الحق ، { فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } لا بد من وروده إليها { فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ منه } أي : في أدنى شك { إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ } إما جهلا منهم وضلالا ، وإما ظلما وعنادا وبغيا ، وإلا فمن كان قصده حسنا وفهمه مستقيما ، فلا بد أن يؤمن به ، لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان من كل وجه .


[428]:- كذا في ب، وفي أ: أنزله.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (17)

1

بعد ذلك يلتفت السياق إلى موقف المشركين من رسول الله [ ص ] وما جاءه من الحق ؛ وإلى هذا القرآن الذي يشهد له بأنه على بينة من ربه ، وأنه مرسل من عنده ؛ كما يشهد له كتاب موسى من قبله . يلتفت السياق إلى هذا الحشد من الأدلة المحيطة بالنبي [ ص ] وبدعوته ورسالته . ذلك ليثبت بهذه الالتفاتة قلب رسول الله [ ص ] والقلة المؤمنة معه . ثم ليوعد الذين يكفرون به من أحزاب المشركين بالنار ؛ وليعرضهم في مشهد من مشاهد العذاب يوم القيامة يجلله الخزي والعار جزاء العتو والاستكبار ؛ وليقرر أن هؤلاء المتبجحين بالباطل ، المعاندين في الحق أعجز من أن يفلتوا من عذاب الله ؛ وأعجز من أن يجدوا لهم من دون الله أولياء ( لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ) . . وليعقد بينهم وبين المؤمنين موازنة في صورة حسية مشهودة ؛ تصور الفارق البعيد بين الفريقين في طبيعتهما ، وفي موقفهما وحالهما في الدنيا وفي الآخرة سواء :

( أفمن كان على بينة من ربه ، ويتلوه شاهد منه ، ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ؟ أولئك يؤمنون به ، ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ، فلا تك في مرية منه ، إنه الحق من ربك ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) .

( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ؛ أولئك يعرضون على ربهم ؛ ويقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين . الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ، وهم بالآخرة هم كافرون . أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ، وما كان لهم من دون الله من أولياء ، يضاعف لهم العذاب . ما كانوا يستطيعون السمع ، وما كانوا يبصرون . أولئك الذين خسروا أنفسهم ، وضل عنهم ما كانوا يفترون . لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ) .

( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )

( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ، هل يستويان مثلا ؟ أفلا تذكرون ؟ ) . .

إن طول هذه الجملة ، وتنوع الإشارات والإيحاءات فيها ، وتنوع اللفتات والإيقاعات أيضا . . إن هذا كله يشي بما كانت تواجهه القلة المؤمنة ، في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الدعوة ؛ ويصور لنا حاجة الموقف إلى هذه المعركة التقريرية الإيحائية ؛ كما يصور لنا طبيعة هذا القرآن الحركية ؛ وهو يواجه ذلك الواقع ويجاهده جهادا كبيرا .

إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة ؛ ويواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها ليواجهها ويوجهها . والذين يتلمسون معاني القرآن ودلالاته وهم قاعدون . يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئا في هذه القعدة الباردة الساكنة ؛ بعيدا عن المعركة وبعيدا عن الحركة . . إن حقيقة هذا القرآن لا تتكشف للقاعدين أبدا ، وإن سره لا يتجلى لمن يؤثرون السلامة والراحة مع العبودية لغير الله ، والدينونة للطاغوت من دون الله !

( أفمن كان على بينة من ربه ، ويتلوه شاهد منه ، ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ؟ أولئك يؤمنون به ، ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ، فلا تك في مرية منه ، إنه الحق من ربك ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) . .

وردت روايات شتى فيما هو المقصود بقوله تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه ) . . وفي قوله تعالى : ( ويتلوه شاهد منه ) . وفي عائد هذه الضمائر في : ( ربه )وفي ( يتلوه ) وفي ( منه ) . . وأرجحها - كما يبدو لي - هو أن المقصود بقوله تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه ) هو رسول الله [ ص ] وبالتبعية له كل من يؤمن بما جاء به - وأن المقصود بقوله تعالى : ( ويتلوه شاهد منه )أي ويتبعه شاهد من ربه على نبوته ورسالته . وهو هذا القرآن الذي يشهد بذاته أنه وحي من الله لا يقدر عليه بشر . ( ومن قبله )- أي من قبل هذا الشاهد وهو القرآن ؛ " كتاب موسى " يشهد كذلك بصدق النبي [ ص ] سواء بما تضمنه من البشارة به ؛ أو بموافقة أصله لما جاء به محمد من بعده .

والذي يرجح هذا عندي هو وحدة التعبير القرآني في السورة - في تصوير ما بين الرسل الكرام وربهم ، من بينة يجدونها في أنفسهم ، يستيقنون معها أن الله هو الذي يوحي إليهم ، ويجدون بها ربهم في قلوبهم وجودا مستيقنا واضحا لا يخالجهم معه شك ولا ريبة . فنوح - عليه السلام - يقول لقومه : يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم ، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ؟ . . وصالح عليه السلام يقول الكلمة ذاتها : ال : يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته ؟ فما تزيدونني غير تخسير . . وشعيب عليه السلام يقولها كذلك : ( قال : يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ، ورزقني منه رزقا ) . . فهو تعبير موحد عن حال واحدة للرسل الكرام مع ربهم ، تصور حقيقة ما يجدونه في أنفسهم من رؤية قلبية مستيقنة لحقيقة الألوهية في نفوسهم ؛ ولصدق اتصال ربهم بهم عن طريق الوحي أيضا . . وهذا التوحيد في التعبير عن الحال الواحدة مقصود قصدا في سياق السورة - كما أسلفنا في التعريف بها - لإثبات أن شأن النبي [ ص ] مع ربه ومع الوحي الذي تنزل عليه شأن سائر الرسل الكرام قبله ؛ مما يبطل دعاوى المشركين المفتراة عليه [ ص ] وكذلك لتثبيته هو والقلة المؤمنة معه على الحق الذي معهم ؛ فهو الحق الواحد الذي جاء به الرسل جميعا ، والذي أسلم عليه المسلمون من أتباع الرسل جميعا .

ويكون المعنى الكلي للآية : أفهذا النبي الذي تتضافر الأدلة والشواهد على صدقه وصحة إيمانه ويقينه . . حيث يجد في نفسه بينة واضحة مستيقنة من ربه . وحيث يتبعه - أو يتبع يقينه هذا - شاهد من ربه هو هذا القرآن الدال بخصائصه على مصدره الرباني . وحيث يقوم على تصديقه شاهد آخر قبله ، هو كتاب موسى الذي جاء إماما لقيادة بني إسرائيل ورحمة من الله تنزلت عليهم . وهو يصدق رسول الله [ ص ] بما تضمنه من التبشير به ، كما يصدقه بما فيه من مطابقة للأصول الاعتقادية التي يقوم عليها دين الله كله .

يقول : أفمن كان هذا شأنه يكون موضعا للتكذيب والكفر والعناد كما تفعل الأحزاب التي تناوئه من شتى فئات المشركين ؟ إنه لأمر مستنكر إذن في مواجهة هذه الشواهد المتضافرة من شتى الجهات . .

ثم يعرض مواقف الذين يؤمنون بهذا القرآن والذين يكفرون به من الأحزاب ، وما ينتظر هؤلاء من جزاء في الآخرة . ويعرج على تثبيت الرسول - [ ص ] - والذين يؤمنون بما معه من الحق ؛ فلا يقلقهم شأن المكذبين الكافرين ، وهم كثرة الناس في ذلك الحين :

( أولئك يؤمنون به ، ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ، فلا تك في مرية منه ، إنه الحق من ربك ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) . .

وقد وجد بعض المفسرين إشكالا في قوله تعالى : ( أولئك يؤمنون به )إذا كان المقصود بقوله تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه )هو شخص رسول الله [ ص ] كما أسلفنا . . فإن أولئك " تعني جماعة يؤمنون بهذا الوحي وبتلك البينة . . ولا إشكال هناك . فالضمير في قوله تعالى ( أولئك يؤمنون به )يعود على " شاهد " وهو القرآن . وكذلك الضمير في قوله تعالى ( ومن قبله )فإنه يعود على القرآن كما أسلفنا . . فلا إشكال في أن يقول : ( أولئك يؤمنون به )- أي بهذا الشاهد أي بهذا القرآن - والرسول [ ص ] هو أول من آمن بما أنزل إليه ، ثم تبعه المؤمنون : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون . كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله . . . )كما جاء في آية البقرة . . والآية هنا تشير إلى رسول الله [ ص ] وتدمج معه المؤمنين الذين آمنوا بما آمن به هو وبلغهم إياه . . وهو أمر مألوف في التعبير القرآني ، ولا إشكال فيه .

( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) . .

وهو موعد لا يخلف ، والله سبحانه هو الذي قدره ودبره !

( فلا تك في مرية منه ، إنه الحق من ربك ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) . .

وما شك رسول الله [ ص ] فيما أوحي إليه ، ولا امترى - وهو على بينة من ربه - ولكن هذا التوجيه الرباني عقب حشد هذه الدلائل والشواهد يشي بما كان يخالج نفس رسول الله [ ص ] من ضيق وتعب ووحشة من جراء تجمد الدعوة وكثرة المعاندين ، تحتاج كلها إلى التسرية عنه بهذا التوجيه والتثبيت . وكذلك ما كان يخالج قلوب القلة المسلمة من ضيق وكرب يحتاج إلى برد اليقين يتنزل عليهم من ربهم الرحيم .

وما أحوج طلائع البعث الإسلامي ؛ وهي تواجه مثل تلك الحال في كل مكان ؛ ويتآزر عليها الصد والإعراض ، والسخرية والاستهزاء ، والتعذيب والإيذاء ؛ والمطاردة بكل صورها المادية والمعنوية ؛ وتتضافر عليها كل قوى الجاهلية في الأرض من محلية وعالمية ؛ وتسلط عليها أبشع ألوان الحرب وأنكدها ؛ ثم تدق الطبول وتنصب الرايات لمن يحاربونها هذه الحرب ومن يطاردونها هذه المطاردة . . .

ما أحوج هذه الطلائع إلى تدبر هذه الآية بكل فقرة فيها ، وبكل إشارة ، وبكل لمحة فيها وكل إيماءة ! ما أحوجها إلى اليقين الذي يحمله التوكيد الرباني الحكيم :

( فلا تك في مرية منه ، إنه الحق من ربك ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) . .

وما أحوجها إلى أن تجد في نفوسها ظلالا لما كان يجده الرسل الكرام صلوات الله عليهم وسلامه من بينة من ربهم ، ومن رحمة لا يخطئونها ولا يشكون فيها لحظة ؛ ومن التزام بالمضي في الطريق مهما تكن عقبات الطريق :

( قال : يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته ؟ فما تزيدونني غير تخسير . . )

إن هذه الطلائع تتصدى لمثل ما كان يتصدى له ذلك الرهط الكريم من الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم جميعا - وتجد من الجاهلية مثلما كانوا يجدون . . لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء رسول الله [ ص ] إلى البشرية كلها بهذا الدين ؛ فواجهته بجاهليتها التي صارت إليها بعد الإسلام الذي جاءها به من قبل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان ويحيى وعيسى ، وسائر النبيين !

إنها الجاهلية التي تعترف بوجود الله - سبحانه - أولا تعترف . ولكنها تقيم الناس أربابا في الأرض يحكمونهم بغير ما أنزل الله ؛ ويشرعون لهم من القيم والتقاليد والأوضاع ما يجعل دينونتهم لهذه الأرباب لا لله . . ثم هي الدعوة الإسلامية للناس كافة أن ينحوا هذه الأرباب الأرضية عن حياتهم وأوضاعهم ومجتمعاتهم وقيمهم وشرائعهم ، وأن يعودوا إلى الله وحده يتخذونه ربا لا أرباب معه ؛ ويدينون له وحده . فلا يتبعون إلا شرعه ونهجه ، ولا يطيعون إلا أمره ونهيه . . ثم هي بعد هذه وتلك المعركة القاسية بين الشرك والتوحيد ، وبين الجاهلية والإسلام . وبين طلائع البعث الإسلامي وهذه الطواغيت في أرجاء الأرض والأصنام !

ومن ثم لا بد لهذه الطلائع من أن تجد نفسها وموقفها كله في هذا القرآن في مثل هذا الأوان . . وهذا بعض ما نعنيه حين نقول : ( إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة . ويواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها ليواجهها ويوجهها ، وإن الذين يتلمسون معاني القرآن ودلالاته وهم قاعدون يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئا في هذه القعدة الباردة الساكنة ، بعيدا عن المعركة ، وبعيدا عن الحركة . . . ) .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (17)

اختلف المتأولون في المراد بقوله { أفمن } فقالت فرقة : المراد بذلك المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقالت فرقة المراد محمد صلى الله عليه وسلم خاصة . وقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك وابن عباس : المراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون جميعاً .

وكذلك اختلف في المراد ب «البيّنة » فقالت فرقة : المراد بذلك القرآن ، أي على جلية بسبب القرآن ، وقالت فرقة : المراد محمد صلى الله عليه وسلم والهاء في «البيّنة » للمبالغة كهاء علامة ونسابة .

وكذلك اختلف في المراد ب «الشاهد » فقال ابن عباس وإبراهيم النخعي ومجاهد والضحاك وأبو صالح وعكرمة : هو جبريل .

وقال الحسين بن علي : هو محمد صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد أيضاً : هو ملك وكّله الله بحفظ القرآن .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يريد بهذه الألفاظ جبريل عليه السلام{[6281]} .

وقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة : هو لسان النبي صلى الله عليه وسلم . وقالت فرقة : هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وروي ذلك عنه ، وقالت فرقة : هو الإنجيل ، وقالت فرقة : هو القرآن ، وقالت فرقة : هو إعجاز القرآن .

قال القاضي أبو محمد : ويتصرف قوله { يتلوه } على معنيين : بمعنى يقرأ ، وبمعنى يتبعه ، وتصرفه بسبب الخلاف المذكور في «الشاهد » ولنرتب الآن اطراد كل قول وما يحتمل .

فإذا قلنا إن قوله : «أفمن » يراد به المؤمنون : فإن جعلت بعد ذلك «البيّنة » محمد صلى الله عليه وسلم صح أن يترتب «الشاهد » الإنجيل ويكون { يتلوه } بمعنى يقرأه ، لأن الإنجيل يقرأ شأن محمد صلى الله عليه وسلم وأن يترتب جبريل عليه السلام ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه أي في تبليغ الشرع والمعونة فيه وأن يترتب الملك ويكون الضمير في { منه } عائداً على البيّنة التي قدرناها محمداً صلى الله عليه وسلم وأن يترتب القرآن ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه ، ويعود الضمير في { منه } على الرب .

وإن جعلنا «البيّنة » القرآن على أن { أفمن } هم المؤمنون - صح أن يترتب «الشاهد » محمد صلى الله عليه وسلم ، وصح أن يترتب الإنجيل وصح أن يترتب جبريل والملك ، ويكون { يتلوه } بمعنى يقرأه : وصح أن يترتب «الشاهد » الإعجاز ، ويكون { يتلوه } بمعنى يتبعه ، ويعود الضمير في { منه } على القرآن .

وإذا جعلنا { أفمن } للنبي صلى الله عليه وسلم ، كانت «البيّنة » القرآن ، وترتب «الشاهد » لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، وترتب الإنجيل ، وترتب جبريل والملك ، وترتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وترتب الإعجاز . ويتأول { يتلوه } بحسب «الشاهد » كما قلنا ولكن هذا القول يضعفه قوله { أولئك } فإنا إذا جعلنا قوله : { أفمن } للنبي صلى الله عليه وسلم وحده لم نجد في الآية مذكورين يشار إليهم بذلك ونحتاج في الآية إلى تجوز وتشبيه بقوله تعالى :

{ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء }{[6282]} وهو شبه ليس بالقوي .

والصح في الآية أن يكون قوله : { أفمن } للمؤمنين ، أو للمؤمنين والنبي معهم بأن لا يترتب «الشاهد »{[6283]} بعد ذلك يراد به النبي إذا قدرناه داخلاً في قوله : { أفمن } . وما تركناه من بسط هذا الترتيب يخرجه التدبر بسرعة فتأمله .

وقرأ جمهور الناس «كتابُ » بالرفع ؛ وقرأ الكلبي وغيره «كتاباً » بالنصب فمن رفع قدر «الشاهد » الإنجيل{[6284]} معناه يقرأ القرآن أو محمد صلى الله عليه وسلم - بحسب الخلاف - و «الإنجيل » و «من قبل » كتاب موسى إذ في الكتابين ذكر القرآن وذكر محمد صلى الله عليه وسلم .

ويصح أن يقدر الرافع «الشاهد » القرآن ، وتطرد الألفاظ بعد ذلك ، ومن نصب «كتاباً » قدر «الشاهد » جبريل عليه السلام ، أي يتلو القرآن جبريل ومن قبل القرآن كتاب موسى{[6285]} .

قال القاضي أبو محمد : وهنا اعتراض يقال : إذ قال { من قبله كتاب موسى } أو «كتابَ » بالنصب على القراءتين : والضمير في { قبله } عائد على القرآن - فلم لم يذكر الإنجيل - وهو قبله - بينه وبين كتاب موسى ؟ فالانفصال : أنه خص التوراة بالذكر لأن الملّتين مجمعتان أنهما من عند الله ، والإنجيل ليس كذلك : فكان الاستشهاد بما تقوم به الحجة على الطائفتين أولى : وهذا يجري مع قول الجن : { إنا سمعنا كتاب أنزل من بعد موسى }{[6286]} ومع قول النجاشي : إن هذا ، والذي جاء به موسى ، لخرج من مشكاة واحدة ؛ فإنما اختصر الإنجيل من جهة أن مذهبهم فيه مخالف لحال القرآن والتوراة ، ونصب { إماماً } على الحال من { كتاب موسى } ، { والأحزاب } ها هنا يراد به جميع الأمم ، وروى سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ، ولا من اليهود والنصارى ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار »{[6287]} فقلت{[6288]} : أين مصداق هذا من كتاب الله ؟ حتى وجدته في هذه الآية ، وكنت إذا سمعت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم طلبت مصداقه في كتاب الله .

قال القاضي أبو محمد : والراجح عندي من الأقوال في هذه الآية أن يكون { أفمن } للمؤمنين أو لهم وللنبي معهم ، إذ قد تقدم ذكر { الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } [ هود : 16 ] ، فعقب ذكرهم بذكر غيرهم ، و «البيّنة » القرآن وما تضمن . و «الشاهد » محمد صلى الله عليه وسلم أو جبريل إذا دخل النبي في قوله : { أفمن } أو الإنجيل والضمير في { يتلوه } للبيّنة ، وفي { منه } للرب تعالى ، والضمير في { قبله } للبيّنة وغير هذا مما ذكرته آنفاً محتمل .

وقرأ الجمهور «في مِرية » بكسر الميم ، وقرأ السلمي وأبو رجاء وأبو الخطاب السدوسي «في مُرية » بضم الميم ، وهما لغتان في الشك ، والضمير في { منه } عائد على كون الكفرة موعدهم النار ، وسائر الآية بيّن .

وفي هذه الآية معادلة محذوفة يقتضيها ظاهر اللفظ تقديره : أفمن كان على بيّنة من ربه كمن كفر بالله وكذب أنبياءه ، ونحو هذا ، في معنى الحذف ، قوله عز وجل : { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى }{[6289]} ، لكان هذا القرآن ، ومن ذلك قول الشاعر : [ الطويل ] .

فأقسم لو شيء أتانا رسوله*** سواك ولكن لم نجد لك مدفعا{[6290]}

التقدير لرددناه ولم نصغ إليه .


[6281]:- فاعل: يريد" يعود على مجاهد في قوله قبل ذلك: "هو ملك"
[6282]:- من الآية (1) من سورة (الطلاق).
[6283]:- معنى كلامه هنا: أن نجعل [أفمن] للمؤمنين، أو لهم وللنبي صلى الله عليه وسلم على ألا يكون المراد "بالشاهد" النبي لأنه داخل في (أفمن).
[6284]:- لعلّ الصواب "جبريل" بدل من "الإنجيل"، لأنه هو الذي يقرأ، ولكن جميع النسخ كانت هكذا بلفظ "الإنجيل".
[6285]:- [كتاب] في قراءة النصب معطوف على مفعول [يتلوه]، أو منصوب بإضمار فعل يفسره المذكور وتقديره: يتلو
[6286]:- من الآية (30) من سورة (الأحقاف).
[6287]:- الحديث في صحيح مسلم، من حديث شعبة عن أبي بشر. (قال ذلك ابن كثير في تفسيره).
[6288]:- هذا من كلام سعيد بن جبير. فقد قال ابن كثير في تفسيره عقب الحديث مباشرة: "وقال أيوب السختياني عن سعيد بن جبير قال: كنت لا أسمع بحديث..الخ"
[6289]:- من الآية (31) من سورة (الرعد).
[6290]:- البيت من قصيدة لامرئ القيس مطلعها: جزعت ولم أجزع من البين مجزعا وعزّيت قلبا بالكواعب مُولعا والرواية "وجدك لو شيء" بدلا من "فأقسم"، وهو من شواهد النحويين على أن الجواب فيه محذوف، وهو جواب القسم لا جواب (لو) عملا بالقاعدة عند اجتماع قسم وشرط، وتقدير الجواب: "لدفناه"، ذكر ذلك الفراء أخذا من قوله: "مدفعا". والصواب أن الجواب مذكور في البيت الذي بعده وهو: إذ لرددناه ولو طال مكثه لدينا، ولكنا بحبك ولّعا وابن عطية تبع الطبري في استشهاده بالبيت، والطبري تبع الفراء الذي قال في كتابه "معاني القرآن": "وربما تركت العرب جواب الشيء والمعروف معناه... قال الشاعر: فأقسم..الخ البيت، وقال تعالى وهو أصدق من قول الشاعر: {ولو أن قرآنا سيّرت به الجبال..} فلم يؤت له بجواب". قال البغدادي في "خزانة الأدب": "والصواب أن الجواب في البيت الذي بعده، وعلى هذا يكون قوله: "ولكن لم نجد لك مدفعا" جملة اعتراضية، وعذرهم في تقدير الجواب أن البيت الثاني ساقط في أكثر الروايات، وقد ذكره الزجاجي في أماليه الصغرى والكبرى ضمن ثمانية أبيات رواها المبرد".