تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (17)

وقوله تعالى : ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ) قوله : ( أفمن ) حرف يقتضي الجواب له ، [ وهو لم ][ في م : لم ، ساقطة من الأصل ] يخرج في الظاهر لأن جوابه أن يقول : ( أفمن كان على بينة من ربه ) كمن ليس على بينة من ربه كما قال في آية أخرى : ( أفمن يخلق كمن لا يخلق )[ النحل : 17 ] وكقوله : ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى )[ الرعد : 19 ] لا يعلم . فعلى ذلك جواب قوله : ( أفمن كان على بينة ) كمن لا يكون على بينة من ربه .

لكن الجواب عندنا يكون على وجوه : مرة يكون بالتصريح ، وهو ما ذكرنا ، ومرة بالإشارة ، ومرة بالكناية على غير تصريح .

ثم منهم من يجعل جوابه ما تقدم ، وهو قوله : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) الآية أي لا يكون كذلك . ومنهم من يجعل جوابه في ما تأخر ، وهو قوله : ( ومن يكفر به من الأحزاب ) كأنه يقول : ( أفمن كان على بينة من ربه ) كمن يكفر به من الأحزاب ؛ أي لا يكون كذلك . وقالوا : يجوز تقديم الجواب وتأخيره كقوله : ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه )[ الزمر : 9 ] لم يخرج لهذا جواب بالتصريح .

ثم اختلفوا في جوابه في ما تأخر في قوله : /237-ب/ ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ( أمن هو قانت آناء الليل )[ الزمر : 9 ] وصف الذين يعلمون ، فكأنه يقول : أفمن يعلم كمن لا يعلم .

ومنهم من يجعل جوابه في قوله : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ )[ الزمر : 8 ] يقول : أمن[ في الأصل وم : من ] جعل لله أندادا ، وأضل عن سبيله ، وصار من أصحاب النار كمن هو قانت ؟ أي ليسا بسواء .

وقال مقاتل : ليس الذي على بيان من ربه كالذي موعده النار ، والله أعلم .

وجائز أن يكون على طرح الألف : فمن ( كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى ) الآية ؛ يقول : فمن كان على بيان من ربه أولئك يؤمنون به .

وقوله تعالى : ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ) قال بعضهم : كان على دين من ربه ، أي من كان على دين من[ ساقطة من م ] الله ، ( ويتلوه شاهد منه ) يتلو لما هو عليه من الدين شاهد منه كمن كان على دين الشيطان ، ولا شاهد له عليه .

وقال بعضهم : قوله : ( أفمن كان على بينة من ربه ) أي على برهان من ربه وحجج ( ويتلوه شاهد منه ) على ذلك كمن لا على برهان من ربه ولا حجج وشاهد له على ذلك ؟

ثم قال بعضهم : قوله : ( ويتلوه شاهد منه ) جبريل أو ملك غيره ، يتلو عليه القرآن . وقال بعضهم : ( ويتلوه شاهد منه ) هو القرآن ونحوه .

ثم قوله : ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ) يحتمل أصحاب عيسى الذين آمنوا به ( ومن قبله كتاب موسى ) أصحاب التوراة الذين آمنوا به ( أولئك يؤمنون به ) أي هؤلاء الذين آمنوا بهؤلاء هم الذين يؤمنون بمحمد عليه [ أفضل الصلاة والسلام ][ في الأصل : الصلاة والسلام ، في م : أفضل الصلاة ] وبما جاء محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله تعالى : ( ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ) قيل فيه بوجوه :

قيل : ( ومن قبله ) من قبل القرآن ( كتاب موسى ) جاء به جبريل إلى موسى كما جاء بهذا القرآن ( إماما ) يقتدى به ( ورحمة ) من العذاب لهم .

ويحتمل قوله : ( ومن قبله كتاب موسى ) التوراة ( إماما ) فيها أنباء هذا القرآن وأنباء محمد أنه رسول الله كقوله : ( الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل )[ الأعراف : 157 ] وقوله : ( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم )[ البقرة : 146 ] وأمثالهما[ في الأصل وم : وأمثاله ] .

ويحتمل قوله : ( إماما ورحمة ) [ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( إماما ورحمة ) ][ في الأصل وم : وعن ابن عباس رضي الله عنه قال إماما ورحمة ، ساقطة من م ] : كان كتاب موسى ، وهو التوراة ، إماما يقتدى به ، وكان رحمة أولئك [ الذين ][ ساقطة من الأصل وم ] يؤمنون به . قال : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به من أهل الكتاب وغيرهم .

ويحتمل قوله : ( أولئك يؤمنون به ) أي مؤمنو[ في الأصل وم : مؤمني ] أهل التوراة يؤمنون بالقرآن ، ويقتدون به كما آمنوا بالتوراة واقتدوا بها .

وقوله تعالى : ( ومن يكفر به ) أي بالقرآن ( من الأحزاب ) الأحزاب : الفرق والأصناف .

يحتمل ( ومن يكفر به ) أي بالقرآن من الفرق ، ويحتمل ( ومن يكفر به ) أي بمحمد ، ويحتمل الدين الذي هو عليه ، ويدعوهم إليه ( فالنار موعده ) إن مات على ذلك . وأما إذا أسلم ، ومات على الإسلام ، فلا تكون النار موعده .

وقوله تعالى : ( فلا تك في مرية منه ) يحتمل الوجوه[ أدرج قبل هذه الكلمة في الأصل وم : في قوله ] الثلاثة التي[ في الأصل وم : الذي ] ذكرنا من الدين والقرآن والنبي [ ويحتمل الخطاب نفسه ، ويحتمل ][ في الأصل وم : يحتمل هو نفسه ويحتمل الخطاب ] غيره لما ذكرنا في قوله ( فلا تكن من الممترين )[ البقرة : 147و . . ] [ وقوله ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( ولا تكونن من المشركين )[ الأنعام : 14و . . . ] [ وقوله ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( فلا تكونن من الجاهلين )[ الأنعام : 35 ] وأمثالها[ في الأصل وم : وأمثاله ] . فكذلك هذا وقد ذكرنا أن العصمة لا تزيل النهي والأمر ، بل تزيدهما ، لأن بالعصمة تظهر موافقة الأمر ومخالفة النهي والمحظور .

وقوله تعالى : ( إنه الحق من ربك ) يحتمل الدين الذي [ هو ][ ساقطة من الأصل وم ] عليه ، ويدعوهم إليه ، ويحتمل هو نفسه الحق من ربه[ من م ، في الأصل : ربك ] ( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) .