معاني القرآن للفراء - الفراء  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (17)

وقوله : { أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ17 }

( فالذي على البيّنة من ربّه محمد صلى الله عليه وسلم . ويتلوه شاهد منه ) يعنى جِبرِيل عليه السلام يتلو القرآن ، الهاء للقرآن . وتَبيَان ذلك : ويتلو القرآن شاهد من الله { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى } رفعتَ الكتاب بِمِن . ولو نصبت على : ويتلو من قبله كتابَ موسى ( إماما ) منصوب على القطع من ( كتاب موسى ) في الوجهين . وقد قيل في قوله : { وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } : يعنى الإنجيل يتلو القرآن ، وإن كان قد أُنزل قبله . يذهب إلى أنه يتلوه بالتصديق . ثم قال : ومن قَبْلِ الإنجيل كتاب موسى .

ولم يأت لقوله : { أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } جوابٌ بيّن ؛ كقوله في سورة محمد صلى الله عليه وسلم : { أَفَمَنْ كَانَ على بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ } وربما تركت العرب جواب الشيء المعروف معناه وإن تُرِك الجواب ؛ قال الشاعر :

فأُقسم لو شَيْء أتانا رَسولُه *** سِوَاك ولكن لم نجد لكَ مَدْفَعا

وقال الله - تبارك وتعالى وهو أصدق من قول الشاعر - : { وَلَوْ أَنُّ قُرْآنا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطَّعَتْ بِهِ الأرْضُ } فلم يؤت له بجواب والله أعلم . وقد يفسّره بعض النحويّين يعنى أن جوابه : ( وَهُمْ يَكْفُرُونَ وَلَوْ أَنَّ قرآنا ) والأوَّل أشبه بالصواب . ومثله : { وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ } { وَلَوْ تَرَى الذِينَ ظَلَمُوا } وقولُه في الزمر : { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آناء اللَّيْلِ سَاجداً وقَائما يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } ولم يؤت له بجواب . وكفي قوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } من ذلك . فهذا مِما تُرك جوابه ، وكَفي منه ما بعده ، كذلك قال في هود : { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } ولم يقل : هل يستوون . وذلك أَن الأَعمى والأصمَّ من صفةِ واحدٍ والبصير والسَّميع من صفة واحدٍ كقول القائل : مررت بالعاقل واللبيب وهو يعنى واحداً . وقال الشاعر :

وما أدرى إذا يمَّمت وجها *** أريد الخير أيُّهما يلينى

أألخير الذي أنا أَبتغيه *** أم الشر الذي لا يأتلينى

قال : أيّهما وإنما ذكر الخير وحده ؛ لأن المعنى يُعْرف : أن المبتغى للخير مُتّق للشرّ وكذلك قول الله جل ذكره : { سَرَابِيلَ تَقِيكُم الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ } [ أي ] وتقى البرد . وهو كذلك وإن لم يُذكر .

وقوله : { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنارُ مَوْعِدُهُ } فيقال : مِن أصناف الكفّار . ويقال : إن كلَّ كافر حِزْب .