السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (17)

ولما ذكر تعالى الذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها ذكر من كان يريد بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة بقوله تعالى : { أفمن كان على بيّنة من ربه } قيل : هو النبيّ صلى الله عليه وسلم والبينة هي القرآن { ويتلوه } أي : يتبعه { شاهد } يصدقه { منه } أي : من الله تعالى وهو جبريل عليه السلام { ومن قبله } أي : القرآن { كتاب موسى } وهو التوراة شاهد له أيضاً وقوله تعالى { إماماً } أي : كتاباً مؤتماً به في الدين { ورحمة } أي : على المنزل عليهم ؛ لأنه الوصلة إلى الفوز بسعادة الدارين حال من كتاب موسى ، والجواب محذوف لظهوره ، والتقدير : أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار ليس مثله بل بينهم تفاوت بعيد وتباين بين . وقيل : هو من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره ، والمراد بالبينة : هو البيان والبرهان والمراد بالشاهد هو القرآن و{ منه } أي : من الله { ومن قبله كتاب موسى } ، أي : ويتلو ذلك البرهان من قبل مجيء القرآن كتاب موسى ، أي : في دلالته على هذا المطلوب لا في الوجود . قال الرازي : وهذا القول هو الأظهر لقوله تعالى : { أولئك يؤمنون به } وهذه صفة جمع ولا يجوز رجوعه إلى محمد صلى الله عليه وسلم انتهى . ويجوز أن تكون للتعظيم أو له صلى الله عليه وسلم ومن تبعه وربما يكون هذا أولى كما جرى عليه بعض المفسرين ، والإشارة إلى من كان على بينة ، والضمير في به للقرآن وإذا كان هذا الفريق ليس له في الآخرة إلا النار فهذا الفريق ليس له في الآخرة إلا الجنة { ومن يكفر به } أي : بالنبيّ صلى الله عليه وسلم أو القرآن { من الأحزاب } أي : أصناف الكفار فيدخل فيهم اليهود والنصارى والمجوس { فالنار موعده } يعني في الآخرة .

روى سعيد بن جبير عن أبي موسى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لا يسمع بي يهوديّ ولا نصرانيّ فلا يؤمن بي إلا كان من أهل النار » . قال أبو موسى : فقلت في نفسي : إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول مثل هذا إلا عن القرآن فوجدت الله تعالى يقول : { ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده } قال بعض العلماء : ولما دلت الآية على أنّ من يكفر به كانت النار موعده دلّ على أنّ من لا يكفر به كانت الجنة موعده وقوله تعالى : { فلا تك في مرية } أي : في شك { منه } أي : القرآن أو الموعد { إنه الحق من ربك } الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد غيره لأنه صلى الله عليه وسلم لم يشك قط ويؤيد ذلك قوله تعالى : { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } أي : لا يصدقون بما أوحينا إليك أو بأن موعد الكفار النار .