الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ فَٱلنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ} (17)

وقوله سبحانه : { أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } [ هود : 17 ] .

في الآية تأويلات .

قال ( ع ) : والراجحُ عندِي مِنَ الأقوال في هذه الآية : أَنْ يكون «أَفَمَن » للمؤمنين ، أولهم وللنبيِّ صلى الله عليه وسلم معهم ، وال{ بَيِّنَةً } : القرآن وما تضمَّن ، وال{ شَاهِدٌ } : الإِنجيلُ ، يريد : أَو إِعجاز القرآن في قولٍ ، والضميرُ في «يتلوه » للبيِّنة ، وفي «منه » للربِّ ، والضميرُ في «قبله » للبينة أيضاً ، وغير هذا مما ذُكِرَ محتملٌ ، فإِن قيل : إِذا كان الضمير في «قَبْله » عائداً على القُرْآنِ ، فَلِمَ لَمْ يذْكَر الإِنجيل ، وهوَ قبله ، وبَيْنَه وبَيْن كتاب موسَى ؟ ، فالجوابُ : أنه خَصَّ التوراة بالذكْرِ ؛ لأنه مجمَعٌ عليه ، والإِنجيل ليس كذلك ؛ لأن اليهود تخالِفُ فيه ، فكان الاستشهاد بما تقُومُ به الحجَّةُ على الجميع أولَى ، وهذا يجري مَعَ قولِ الجنِّ : { إِنَّا سَمِعْنَا كتابا أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى } [ الأحقاف : 30 ] والأحزاب ؛ هاهنا يُراد بهم جميعُ الأُمَمِ ، وروى سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ ، عن أبي موسَى الأَشعريِّ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنه قَالَ : ( مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَلاَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ثُمَّ لاَ يُؤْمِنُ بي إِلاَّ دَخَلَ النَّار ) . قال سعيدٌ : فقلْتُ : أَيْنَ مِصْدَاقُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ حَتَّى وَجَدتُّهُ فِي هَذِهِ الآيةِ ، وَكُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ حَديثاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم طَلَبْتُ مِصْدَاقَهُ في كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وقرأ الجمهورُ : «فِي مِرْيَةٍ » بكسر الميم ، وهو الشكُّ ، والضمير في «منه » عائدٌ على كون الكَفَرة موعدُهُم النَّارُ ، وسائر الآية بيِّن .