المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

6- وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن ، فزاد رجال الإنس رجال الإنس الجن طُغياناً وسفهاً .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

قال الله : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في أرض قفر ، قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه ، فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح .

أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا ابن فنجويه ، حدثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ، حدثنا موسى بن سعيد بن النعمان بطرسوس ، حدثنا فروة بن أبي المعز الكندي ، حدثنا القاسم بن مالك ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن أبيه ، عن كردم بن أبي سائب الأنصاري قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فآوانا البيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف النهار جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم ، فوثب الراعي فقال : يا عامر الوادي جارك ، فنادى مناد لا نراه ، يقول : يا سرحان أرسله ، فأتى الحمل يشتد حتى دخل الغنم ولم تصبه كدمته ، فأنزل الله عز وجل على رسول صلى الله عليه وسلم بمكة { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم } يعني زاد الإنس الجن باستعاذتهم بقادتهم { رهقا } قال ابن عباس : إثماً . قال مجاهد : طغياناً . قال مقاتل : غياً . قال الحسن : شراً قال إبراهيم : عظمة . وذلك أنهم كانوا يزدادون بهذا التعوذ طغياناً ، يقولون : سدنا الجن والإنس ، والرهق في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

{ 6 } { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }

أي : كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع{[1249]} ، فزاد الإنس الجن رهقا أي : طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم ، ويستعيذون بهم ، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو{[1250]}  أي : زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم ، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف ، قال : " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه " .


[1249]:- في ب: كان الإنس يعوذون بالجن عند المخاوف والأفزاع ويعبدونهم.
[1250]:- في ب: ويحتمل أن الضمير وهي الواو يرجع إلى الجن.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) . .

وهذه إشارة من الجن إلى ما كان متعارفا في الجاهلية - وما يزال متعارفا إلى اليوم في بيئات كثيرة - من أن للجن سلطانا على الأرض وعلى الناس ، وأن لهم قدرة على النفع والضر ، وأنهم محكمون في مناطق من الأرض أو البحر أو الجو . . إلى آخر هذه التصورات . مما كان يقتضي القوم إذا باتوا في فلاة أو مكان موحش ، أن يستعيذوا بسيد الوادي من سفهاء قومه ، ثم يبيتون بعد ذلك آمنين !

والشيطان مسلط على قلوب بني آدم - إلا من اعتصم بالله فهو في نجوة منه - وأما من يركن إليه فهو لا ينفعه . فهو عدو له . إنما يرهقه ويؤذيه . . وهؤلاء النفر من الجن يحكون ما كان يحدث : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) . . ولعل هذا الرهق هو الضلال والقلق والحيرة التي تنوش قلوب من يركنون إلى عدوهم ، ولا يعتصمون بالله منه ويستعيذون ! كما هم مأمورون منذ أبيهم آدم وما كان بينه وبين إبليس من العداء القديم !

والقلب البشري حين يلجأ إلى غير الله ، طمعا في نفع ، أو دفعا لضر ، لا يناله إلا القلق والحيرة ، وقلة الاستقرار والطمأنينة . . . وهذا هو الرهق في أسوأ صوره . . الرهق الذي لا يشعر معه القلب بأمن ولا راحة !

إن كل شيء - سوى الله - وكل أحد ، متقلب غير ثابت ، ذاهب غير دائم ، فإذا تعلق به قلب بقي يتأرجح ويتقلب ويتوقع ويتوجس ؛ وعاد يغير اتجاهه كلما ذهب هذا الذي عقد به رجاءه . والله وحده هو الباقي الذي لا يزول . الحي الذي لا يموت . الدائم الذي لا يتغير . فمن اتجه إليه اتجه إلى المستقر الثابت الذي لا يزول ولا يحول :

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

هذه الألف من { أنه } كان مما اختلف في فتحها وكسرها والكسر أوجه . والمعنى في الآية ما كانت العرب تفعله في أسفارها وتعزبها في الرعي وغيره ، فإن جمهور المفسرين رووا أن الرجل كان إذا أراد المبيت أو الحلول في واد ، صاح بأعلى صوته يا عزيز هذا الوادي ، إني أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك فيعتقد بذلك أن الجني الذي بالوادي يمنعه ويحميه ، فروي أن الجن كانت عند ذلك تقول : ما نملك لكم ولأنفسنا من الله شيئاً . قال مقاتل : أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن ثم بنو حنيفة ثم فشا ذلك في العرب . وروي عن قتادة أن الجن لذلك كانت تحتقر بني آدم وتزدريهم لما ترى من جهلهم ، فكانوا يزيدونهم مخافة ويتعرضون للتخيل لهم بمنتهى طاقاتهم ويغوونهم في إرادتهم لما رأوا رقة أحلامهم ، فهذا هو الرهق الذي زادته الجن ببني آدم . وقال مجاهد والنخعي وعبيد بن عمير : بنو آدم زادوا الجن { رهقاً } وهي الجرأة والانتخاء عليهم والطغيان وغشيان المحارم والإعجاب ، لأنهم قالوا سدنا الجن والإنس ، وقد فسر قوم الرهق بالإثم وأنشد الطبري في ذلك بيت الأعشى : [ البسيط ]

لا شيء ينفعني من دون رؤيتها*** لا يشتفي وامق ما لم يصب رهقا{[11365]}

قال معناه ما لم يغش محرماً فالمعنى زادت الإنس والجن مأثماً لأنهم عظموهم فزادوهم استحلالاً لمحارم الله .


[11365]:قال الأعشى هذا البيت من قصيدة يصف هواه ووجده بمحبوبته، ومطلعها: (نام الخلي وبت الليل مرتفقا)، والبيت في اللسان، والقرطبي، والبحر، وفتح القدير. والوامق: المحب ، وفي بعض الروايات (يشتفي عاشق)، وفي اللسان: "والرهق: غشيان المحارم من شرب الخمر ونحوه، قال ابن بري: وكذلك فسر الرهق في شعر الأعشى بأنه غشيان المحارم وما لا خير فيه في قوله: لا شيء ينفعني...البيت"، وقد يفسر الرهق في البيت بأنه الضعف والتذلل للمحبوب، والأقوال في معنى الرهق كثيرة، فقد قيل: هو الفساد، وقيل: الظلم، وقيل: السفه، وقيل: الذلة والضعف، وقيل: السرعة إلى الشر ، وقيل: العظمة والطغيان، وقيل غير ذلك، راجع اللسان.