جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

وقوله : وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر : وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجنّ في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم .

وكان ذلك من فعلهم فيما ذُكر لنا ، كالذي :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال : كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي ، فزادهم ذلك إثما .

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله : وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال : كان الرجل منهم إذا نزل الوادي فبات به ، قال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم في قوله : وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِن كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ ما فيه ، فتقول الجنّ : ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرّا ولا نفعا .

قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال : كانوا في الجاهلة إذا نزلوا بالوادي قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي ، فيقول الجنيون : تتعوّذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال : كانوا يقولون إذا هبطوا واديا : نعوذ بعظماء هذا الوادي .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ ذُكر لنا أن هذا الحيّ من العرب كانوا إذا نزلوا بواد قالوا : نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان قال الله : فَزَادُوهُمْ رَهَقا : أي إثما ، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلاً يقولون : نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال : كانوا يقولون : فلان من الجنّ ربّ هذا الوادي ، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ بربّ الوادي من دون الله ، قال : فيزيده بذلك رهقا ، وهو الفَرَق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال : كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد قبل الإسلام قال : إن أعوذ بكبير هذا الوادي ، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم .

وقوله : فَزَادُوهُمْ رَهَقا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فزاد الإنس بالجنّ باستعاذتهم بعزيزهم ، جراءة عليهم ، وازدادوا بذلك إثما . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس فَزَادُوهُمْ رَهَقا فزادهم ذلك إثما .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال الله : فَزَادُوهُمْ رَهَقا : أي إثما ، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَزَادُوهُمْ رَهَقا يقول : خطيئة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال : فيزدادون عليهم جراءة .

قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال : ازدادوا عليهم جراءة .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك أن الكفار زادوا بذلك طغيانا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال : زاد الكفار طغيانا .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك فزادوهم فَرَقا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال : فيزيدهم ذلك رهقا ، وهو الفَرَق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال : زادهم الجنّ خوفا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فزاد الإنس الجنّ بفعلهم ذلك إثما ، وذلك زادوهم به استحلالاً لمحارم الله . والرهق في كلام العرب : الإثم وغِشيان المحارم ومنه قول الأعشى :

لا شَيْءَ يَنْفَعُنِي مِنْ دُونِ رُؤْيَتِها *** هلْ يَشْتَفِي وَامِقٌ ما لم يُصِبْ رَهَقا

يقول : ما لم يغْشَ محرما .