الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ } وذلك قول الرجل من العرب إذا أمسى بالأرض القفر : أعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه ، فيبيت في أمن وجوار حتّى يصبح .

قال مقاتل : أوّل مَنْ تعوّذ بالجن قوم من أهل اليمن ، ثمّ بنو حنيفة ثمّ فشا ذلك في العرب .

أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدّثنا أبو القيّم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ، قال : حدّثنا موسى بن سعيد بن النعمان بطرطوس ، قال : حدّثنا فروة بن معراء الكندي ، قال : حدّثنا القيّم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري ، قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أوّل ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكّة فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف النهار جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي ، فقال : يا عامر الوادي جارك ، فنادى مناد لا نراه يقول : يا سرحان أرسله ، فأتانا الحمل يشتدّ حتّى دخل الغنم ، ولم يصبه كدمة ، قال ، وأنزل الله سبحانه على رسوله بمكة : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ } .

{ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } يعني : [ إن الإنس زادوا الجن طُغياناً باستعاذتهم ] فزادتهم رهقاً .

قال ابن عباس : أثماً . معمر عن قتادة : خطيئة . سعيد عنه : جرأة . مجاهد : طغياناً . ربيع : فرقاً . ابن زيد : خوفاً . إبراهيم : عظمة ، وذلك أنّهم قالوا : [ سدنا ] الجن والإنس . مقاتل : غيّاً . الحسن : شرّاً . ثعلب : خساراً . والرهق في كلام العرب : الإثمّ وغشيان المحارم ، ورجل مرهق : إذا كان كذلك . وقال الأعشى :

لا شيء ينفعني من دون رؤيتها *** هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقاً