{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس } فمن فتح ، وجعله من قول الجنِّ ردَّها إلى قوله : { أَنَّهُ استمع } ، ومن كسرها جعلها من قول الله تعالى .
والمراد به ما كانوا يفعلونه ، من قول الرجل إذا نزل بواد : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه ، فيبيت في جواره حتى يصبح ، قاله الحسن وابن{[58118]} زيد وغيرهما .
وقيل : كانوا في الجاهلية إذ أقحطوا ، بعثُوا رائدهم ، فإذا وجد مكاناً فيه كلأ وماءٌ رجع إلى أهله فسار بهم حتى إذا انتهوا إلى تلك الأرض نادوا نعوذُ بك بربِّ هذا الوادي أن تصيبنا فيه آفةٌ ، يعنون من الجن ، فإن لم يفزعهم أحد نزلوا ، وإن أفزعهم الجن رجعوا .
قال مقاتل : أول من تعوذ بالجنِّ قومٌ من أهل اليمن ، ثم من بني حنيفة ، ثم فشا ذلك في العرب ، فلَّما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم{[58119]} .
وقال كردم بن أبي السائب : خرجت مع أبي إلى المدينة أول ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فآواني المبيت إلى راعي غنمٍ ، فلما انتصف الليل جاء الذئب ، فحمل حملاً من الغنم ، فقال الراعي : يا عامر الوادي جارك الله ، فنادى منادٍ : يا سرحان أرسله ، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمةٌ ، فأنزل الله تعالى على رسوله السيد الكامل المكمل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمكة : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن فَزَادوهُمْ رَهَقاً } ، أي : زاد الجنُّ الإنس رهقاً ، أي : خطيئة ، وإنما قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة رضي الله عنهم{[58120]} .
والرَّهقُ : الإثم في كلام العرب وغشيان المحارم ، ورجل رهق إذا كان كذلك ، ومنه قوله : { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ }[ يونس : 27 ] ؛ وقال الأعشى : [ البسيط ]
4895 - لا شَيْءَ يَنْفعُنِي من دوُنِ رُؤْيتها***هَلْ يَشتفِي عَاشقٌ ما لم يُصِبْ رَهقَا{[58121]}
يعني إثماً ، ورجل مرهق ، أي : يغشاه السائلون .
قال الواحديُّ : الرَّهَقُ : غشيان الشيء ، ومنه قوله تعالى : { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } .
وأضيفت الزيادةُ إلى الجن إذ كانوا سبباً لها .
وقال مجاهد أيضاً : «فزَادُوهُم » أي : أن الإنس زادوا الجنَّ طغياناً بهذا التعوذ ، حتى قالت الجنُّ : «سدنا الإنس والجن »{[58122]} .
وقال قتادة أيضاً ، وأبو العالية والربيع وابن زيد : ازداد الإنس بهذا فرقاً وخوفاً من الجن{[58123]} .
ولا يخفى أنَّ الاستعاذة بالجنِّ دون الاستعاذة بالله شركٌ وكفرٌ .
وقيل : لا يطلق لفظ الرجال على الجنِّ ، فالمعنى : وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون من شرِّ الجن برجال من الإنس وكان الرجل من الإنس يقول مثلاً : أعوذ بحذيفة بن بدر من جنِّ هذا الوادي .
قال القشيريُّ : وفي هذا تحكم إذ لا يبعد إطلاق لفظ الرِّجالِ على الجن .
وقوله : «مِنَ الإنس » صفة ل «رِجَالٌ » وكذلك قوله «مِنَ الجِنِّ » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.