فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ الجن } قال الحسن وابن زيد وغيرهما : كان العرب إذا نزل الرجل بوادٍ قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه ، فيبيت في جواره حتى يصبح ، فنزلت هذه الآية . قال مقاتل : كان أوّل من تعوّذ بالجنّ قوم من أهل اليمن ، ثم من بني حنيفة ، ثم فشا ذلك في العرب ، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم { فَزَادوهُمْ رَهَقاً } أي زاد رجال الجنّ من تعوذ بهم من رجال الإنس رهقاً : أي سفهاً وطغياناً ، أو تكبراً وعتوّاً ، أو زاد المستعيذون من رجال الإنس من استعاذوا بهم من رجال الجنّ رهقاً ، لأن المستعاذ بهم كانوا يقولون : سدنا الجنّ والإنس . وبالأوّل قال مجاهد وقتادة وبالثاني قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد . والرهق في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم ، ورجل رهق : إذا كان كذلك ، ومنه قوله : { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [ المعارج : 44 ] أي تغشاهم ، ومنه قول الأعشى :

لا شيء ينفعني من دون رؤيتها *** هل يشتفي عاشق ما لم يصب رهقاً

يعني : إثماً . وقيل : الرهق : الخوف : أي أن الجنّ زادت الإنس بهذا التعوّذ بهم خوفاً منهم . وقيل : كان الرجل من الإنس يقول : أعوذ بفلان من سادات العرب من جنّ هذا الوادي ، ويؤيد هذا ما قيل من أن لفظ رجال لا يطلق على الجنّ ، فيكون قوله : { بِرِجَالٍ } وصفاً لمن يستعيذون به من رجال الإنس : أي يعوذون بهم من شرّ الجن ، وهذا فيه بعد ، وإطلاق لفظ رجال على الجنّ على تسليم عدم صحته لغة لا مانع من إطلاقه عليهم هنا من باب المشاركة .

/خ13