وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء والطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن كردم بن أبي السائب الأنصاري رضي الله عنه قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة ، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم ، فوثب الراعي ، فقال : يا عامر الوادي أنا جار دارك ، فنادى منادٍ لا تراه يا سرحان أرسله ، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم ، وأنزل الله على رسوله بمكة { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن } الآية .
وأخرج ابن سعد عن أبي رجاء العطاردي من بني تميم قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رعيت على أهلي وكفيت مهنتهم ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم خرجنا هراباً فأتينا على فلاة من الأرض ، وكنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا : إنا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة ، فقلنا ذاك ، فقيل لنا : إنما سبيل هذا الرجل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن أقرّ بها أمن على دمه وماله ، فرجعنا فدخلنا في الإِسلام قال أبو رجاء : إني لأرى هذه الآية نزلت فيّ وفي أصحابي { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } .
وأخرج أبو نصر السجزي في الإِبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس أن رجلاً من بني تميم كان جريئاً على الليل والرجال ، وأنه سار ليلة فنزل في أرض مجنة ، فاستوحش ، فعقل راحلته ، ثم توسد ذراعيها وقال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر أهله ، فأجاره شيخ منهم ، وكان منهم شاب وكان سيداً في الجن ، فغضب الشاب لما أجاره الشيخ ، فأخذ حربة له قد سقاها السم لينحر ناقة الرجل بها فتلقاه الشيخ دون الناقة فقال :
يا مالك بن مهلهل *** مهلاً فذلك محجري وإزاري
عن ناقة الإِنسان لا تعرض لها *** واختر إذا ورد المها أثواري
إني ضمنت له سلامة رحله *** فاكفف يمينك راشداً عن جاري
ولقد أتيت إلى ما لم أحتسب *** إلا رعيت قرابتي وجواري
تسعى إليه بحربة مسمومة *** أفّ لقربك يا أبا اليقطاري
لولا الحياء وان أهلك جيرة *** لتمزقتك بقوة أظفاري
أتريد أن تعلوا وتخفض ذكرنا *** في غير مزرية أبا العيزار
متنحلاً أمراً لغيرك فضله *** فارحل فإن المجد للمرار
من كان منكم سيداً فيما مضى *** إن الخيار هم بنو الأخيار
فاقصد لقصدك يا معيكر إنما *** كان المجير مهلهل بن وبار
فقال الشيخ : صدقت كان أبوك سيدنا وأفضلنا ، دع هذا الرجل لا أنازعك بعده أحداً ، فتركه ، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه القصة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا أصاب أحداً منكم وحشة ، أو نزل بأرض مجنة فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما يلج في الأرض ، وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، ومن فتن الليل ، ومن طوارق النهار إلا طارقاً يطرق بخير » فأنزل الله في ذلك { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } قال أبو نصر : غريب جداً لم نكتبه إلا من هذا الوجه .
وأخرج الخرائطي في كتاب الهواتف عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أن رجلاً من بني تميم يقال له : رافع بن عمير حدث عن بدء إسلامه قال : إني لأسير برمل عالج ذات ليلة إذا غلبني النوم فنزلت عن راحلتي وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومي فقلت : أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن فرأيت رجلاً في منامي بيده حربة يريد أن يضعها في نحر ناقتي ، فانتبهت فزعاً فنظرت يميناً وشمالاً فلم أر شيئاً ، فقلت : هذا حلم . ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتي فلم أر شيئاً ، فإذا ناقتي ترعد . ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب ، والتفتّ فإذا أنا برجل شاب كالذي رأيته في المنام بيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرده عنها فبينما هما يتنازعان ، إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى : قم فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الإِنسي . فقام الفتى فأخذ منها ثوراً عظيماً وانصرف ، ثم التفت إلى الشيخ وقال : يا هذا إذا نزلت وادياً من الأودية فخفت هوله فقل : أعوذ بالله رب محمد من هول هذا الوادي ، ولا تعذ بأحد من الجن ، فقد بطل أمرها . فقلت له : ومن محمد هذا ؟ قال : نبي عربي لا شرقي ولا غربي بعث يوم الاثنين . قلت : فأين مسكنه ؟ قال : يثرب ذات النخل . فركبت راحلتي حين برق الصبح وجددت السير حتى أتيت المدينة ، فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحدثني بحديثي قبل أن أذكر له منه شيئاً ودعاني إلى الإِسلام فأسلمت . قال سعيد بن جبير رضي الله عنه : وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن } قال : كان رجال من الإِنس يبيت أحدهم في الجاهلية بالوادي فيقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي { فزادوهم رهقاً } قال : إثماً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله : { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن } قال : كان أحدهم إذا نزل الوادي يقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه ، فيأمن في نفسه ليلته أو يومه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله : { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن } قال : كانوا يقولون إذا هبطوا وادياً : نعوذ بعظيم هذا الوادي { فزادوهم رهقاً } قال : زادوا الكفار طغياناً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله : { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن } قال : كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلاً قالوا : نعوذ بعزيز هذا المكان { فزادوهم رهقاً } يقول : خطيئة وإثماً .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } قال : كان القوم إذا نزلوا وادياً قالوا : نعوذ بسيد أهل هذا الوادي فقالوا : نحن لا نملك لنا ولا لكم ضراً ولا نفعاً ، وهؤلاء يخافونا فاحتووا عليهم .
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً } قال : كانوا يقولون : فلان رب هذا الوادي من الجن ، فكان أحدهم إذا دخل ذلك الوادي يعوذ برب الوادي من دون الله ، فيزيده بذلك { رهقاً } أي خوفاً .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : إن ناساً في الجاهلية كانوا إذا أتوا وادياً للجن ناد منادي الإِنس إلى خيار الجن أن احبسوا عنا سفهاءكم فلم يغنهم ما وعظوا به { فزادوهم رهقاً } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان القوم في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه فلا يكونون بشيء أشد ولعاً منهم بهم ، فذلك قوله : { فزادوهم رهقاً } .
وأخرج ابن مردويه من طريق معاوية بن قرة عن أبيه قال : ذهبت لأسلم حين بعث الله محمداً مع رجلين أو ثلاثة في الإِسلام ، فأتيت الماء حيث يجتمع الناس ، فإذا الناس براعي القرية الذي يرعى لهم أغنامهم ، فقال : لا أرعى لكم أغنامكم . قالوا : لم ؟ قال : يجيء الذئب كل ليلة يأخذ شاة وصنمكم هذا راقد لا يضر ولا ينفع ولا يقر ولا ينكر ، فذهبوا وأنا أرجو أن يسلموا ، فلما أصبحنا جاء الراعي يشتد يقول : البشرى البشرى قد جيء بالذئب وهو مقموط بين يدي الصنم بغير قماط ، فذهبوا وذهبت معهم فقتلوه وسجدوا له ، وقالوا : هكذا فاصنع ، فدخلت على محمد صلى الله عليه وسلم ، فحدثته هذا الحديث فقال : لعب بهم الشيطان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.