المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

67- وكنتم في إعراضكم متكبرين مستهزئين ، تصفون الوحي بالأوصاف القبيحة عندما تجتمعون للسمر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

قوله تعالى : { مستكبرين به } اختلفوا في هذه الكناية ، فأظهر الأقاويل أنها تعود إلى البيت الحرام كناية عن غير مذكور ، أي : مستكبرين متعظمين بالبيت الحرام ، وتعظمهم به أنهم كانوا يقولون نحن أهل حرم الله وجيران بيته ، فلا يظهر علينا أحد ، ولا نخاف أحداً ، فيأمنون فيه وسائر الناس في الخوف ، هذا قول ابن عباس ومجاهد ، وجماعة ، وقيل : ( ( مستكبرين به ) ) أي : بالقرآن فلم يؤمنوا به . والأول أظهر أن المراد منه الحرم { سامراً } نصب على الحال ، أي أنهم يسمرون بالليل في مجالسهم حول البيت ، ووحد سامراً وهو بمعنى السمار لأنه وضع موضع الوقت ، أراد تهجرون ليلاً . وقيل : وحد سامراً ، ومعناه : الجمع ، كقوله : { ثم نخرجكم طفلاً } { تهجرون } قرأ نافع ( ( تهجرون ) ) بضم التاء وكسر الجيم من الإهجار وهو الإفحاش في القول : أي : تفحشون وتقولون الخنا ، وذكر أنهم كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقرأ الآخرون : ( ( تهجرون ) ) بفتح التاء وضم الجيم ، أي : تعرضون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الإيمان والقرآن ، وترفضونها . وقيل : هو من الهجر وهو القول القبيح ، يقال هجر يهجر هجراً إذا قال غير الحق . وقيل : تهزؤون وتقولون ما لا تعلمون ، من قولهم : هجر الرجل في منامه ، إذا هذى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ } قال المفسرون معناه : مستكبرين به ، الضمير يعود إلى البيت ، المعهود عند المخاطبين ، أو الحرم ، أي : متكبرين على الناس بسببه ، تقولون : نحن أهل الحرم ، فنحن أفضل من غيرنا وأعلى ، { سَامِرًا } أي : جماعة يتحدثون بالليل حول البيت { تَهْجُرُونَ } [ أي : تقولون الكلام الهجر الذي هو القبيح في ] هذا القرآن .

فالمكذبون كانت طريقتهم في القرآن ، الإعراض عنه ، ويوصي بعضهم بعضا بذلك { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } وقال الله عنهم : { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ* وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ } { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

53

ولقد كانوا يطلقون ألسنتهم بهجر القول وفحشه في مجالسهم ؛ وهم يتحلقون حول الأصنام في سامرهم بالكعبة . فها هو ذا القرآن يرسم لهم مشهد حسابهم على ما هم فيه ؛ وهم يجأرون طالبين الغوث ، فيذكرهم بسمرهم الفاحش ، وهجرهم القبيح . وكأنما هو واقع اللحظة ، وهم يشهدونه ويعيشون فيه ! وذلك على طريقة القرآن الكريم في رسم مشاهد القيامة كانها واقع مشهود .

والمشركون في تهجمهم على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وعلى القرآن في نواديهم وفي سمرهم يمثلون الكبرياء الجاهلة ، التي لا تدرك قيمة الحق لأنها مطموسة البصيرة عمياء ، فتتخذ منه مادة للسخرية والهزء والاتهام . ومثل هؤلاء في كل زمان . وليست جاهلية العرب إلا نموذجا لجاهليات كثيرة خلت في الزمان ؛ وما تزال تظهر الآن بعد الآن !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

{ مستكبرين به } الضمير للبيت وشهوة استكبارهم وافتخارهم بأنه قوامه أغنت عن سبق ذكره ، أو لآياتي فإنها بمعنى كتابي والباء متعلقة ب { مستكبرين } لأنه بمعنى مكذبين ، أو لأن استكبارهم على المسلمين حدث بسبب استماعه أو بقوله : { سامرا } أي تسمرون بذكر القرآن والطعن فيه ، وهو في الأصل مصدر جاء على لفظ الفاعل كالعاقبة ، وقرىء " سمرا " جمع سامر { تهجرون } من الهجر بالفتح إما بمعنى القطيعة أو الهذيان ، أي تعرضون عن القرآن أو تهذون في شأنه أو لا هجر بالضم أي الفحش ، ويؤيد الثاني قراءة نافع { تهجرون } من أهجر وقرىء { تهجرون } على المبالغة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

و { مستكبرين } حال ، والضمير في { به } قال الجمهور : هو عائد على الحرم والمسجد وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في الأمر ، والمعنى أنكم تعتقدون في نفوسكم أن لكم بالمسجد والحرم أعظم الحقوق على الناس والمنازل عند الله فأنتم تستكبرون لذلك وليس الاستكبار من الحق ، وقالت فرقة : الضمير " في [ به ] " {[8516]} عائد على القرآن من حيث ذكر الآيات والمعنى يحدث لكم سماع آياتي كبراً وطغياناً .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول جيد وذكر منذر بن سعيد أن الضمير لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهو متعلق بما بعده كأن الكلام ثم في قوله { مستكبرين } ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم ، { سامراً تهجرون } ، وقوله { سامراً } حال وهو مفرد بمعنى الجمع{[8517]} يقال قوم سمر وسمر وسامر ومعناه سهر الليل مأخوذ من السمر وهو ما يقع على الأشخاص{[8518]} من ضوء القمر فكانت العرب تجلس للسمر تتحدث{[8519]} وهذا أوجب معرفتها بالنجوم لأنها تجلس في الصحراء فترى الطوالع من الغوارب ، وقرأ الجمهور «سامراً » وقرأ أبو رجاء «سماراً » ، وقرأ ابن عباس وعكرمة وابن محيصن «سمراً »{[8520]} ومن هذه اللفظة قول الشاعر : [ الكامل ]

من دونهم إن جئتهم سمراً . . . عزف القيان ومجلس غمر{[8521]}

فكانت قريش سمر حول الكعبة مجالس في أباطيلها وكفرها ، وقرأ الجمهور «تَهجُرون » بفتح التاء وضم الجيم واختلف المتأولون في معناها فقال ابن عباس : معناها تهجرون الحق وذكر الله وتقطعونه من الهجر المعروف ، وقال ابن زيد : من هجر المريض إذا هذى أي تقولون اللغو من القول وقاله أبو حاتم ، وقرأ نافع وحده من السبعة «تهجِرون » بضم التاء وكسر الجيم وهي قراءة أهل المدينة وابن محيصن وابن عباس أيضاً ومعناه يقولون الفحش والهجر والعضاية من القول وهذه إشارة إلى سبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاله ابن عباس أيضاً وغيره ، وفي الحديث «كنت نهيتكم عن زيادة القبور فزوروها ولا تقولوا هجراً »{[8522]} ، وقرأ ابن محيصن وابن أبي نهيك «تُهَجِّرون » بضم التاء وفتح الهاء وشد الجيم مكسورة وهو تضعيف هجر وتكثير الهجر والهجر على المعنيين المتقدمين ، وقال ابن جني : لو قيل إن المعنى أنكم تبالغون في المهاجرة حتى أنكم وإن كنتم سمراً بالليل فكأنكم تهجرون في الهاجرة على غاية الافتضاح لكان وجهاً{[8523]} .

قال القاضي أبو محمد : ولا تكون هذه القراءة تكثير «تُهجِّرون » بضم التاء ، وكسر الجيم لأن أفعل لا يتعدى ولا يكثر بتضعيف إذ التضعيف والهمزة متعاقبان .


[8516]:في الأصول: الضمير عائد على القرآن.
[8517]:وهذا كقوله تعالى: {ثم نخرجكم طفلا} أي: أطفالا، وكقول العرب: الحاضر، وهم القوم النازلون على الماء، والباقر لجمع البقر، والجامل لجمع الإبل، للذكور والإناث.
[8518]:نقل القرطبي كعادته كلام ابن عطية هنا ولم يشر إليه، وذكر كلمة "الأشجار" بدلا من "الأشخاص".
[8519]:كانت تجلس تتحدث حول الكعبة في ضوء القمر أو في سمره، فسمي التحدث سمرا.
[8520]:أما قراءة أبي رجاء [سمارا] فهي مثل كاتب وكتاب، وشارب وشراب، وأما قراءة ابن عباس وعكرمة رضي الله عنهم [سمرا] فقد قرأ بها أيضا عبد الله بن مسعود والسمر: جمع سامر، والسامر: القوم يسمرون، قال ذو الرمة: وكم عرست بعد السرى من معرس به من كلام الجن أصوات سامر يتحدث عن الناقة، والتعريس: النزول آخر الليل للنوم والراحة.
[8521]:البيت في اللسان (سمر) ـ ذكره مرتين، في المرة الأولى استشهد به على أن السمر هو حديث الليل، ورواه كما رواه ابن عطية هنا، ولم ينسبه، ثم عاد وذكره مرة ثانية شاهدا على أن السمر هو الليل، ونسبه إلى ابن أحمر، ولفظه: من دونهم إن جئتهم سمرا حي حلال لملم عكر فالسمر هنا: الليل، والحي الحلال ـ بكسر الحاء ـ هم القوم النازلون على الماء أو نحوه، ولملم: كثير مجتمع، والعكر: الكثير المتراكم بعضه فوق بعض أو المجتمع بعضه إلى بعض، أما المجلس الغمر ـ على رواية المؤلف ـ فهو الجماعة الكثيرة يجتمعون للحديث والسمر.
[8522]:أخرجه النسائي في الجنائز، ومالك في الموطأ في الضحايا، وأحمد في مسنده (3 ـ 63، 66، 237، 250 ـ 5 ـ 361)، ولفظه في مسند أحمد عن محمد بن عمرو بن ثابت عن أبيه، قال: مر بي ابن عمر رضي الله عنهما فقلت: من أين أصبحت غاديا أب عبد الرحمن؟ وفي رواية أين يريد يا أبا عبد الرحمن؟ ـ قال: إلى أبي سعيد الخدري، فانطلقت معه، فقال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إني نهيتكم عن لحوم الأضاحي وادخاره بعد ثلاثة أيام، فكلوا وادخروا فقد جاء الله بالسعة، ونهيتكم عن أشياء من الأشربة والأنبذة، فاشربوا، وكل مسكر حرام، ونهيتكم عن زيارة القبور، فإن زرتموها فلا تقولوا هجرا)، والحديث في لسان العرب (هجر)، وقد نقل بعد أن ذكر الحديث أن الكسائي والأصمعي قالا: الهجر: الإفحاش في المنطق والخنا، وهو بالضم من الإهجار، ويقال منه: يهجر.
[8523]:ومن كلام ابن جني الذي ذكره لتوضيح رأيه: "فهذا كقولك لصاحبك: أنت مساترا معلن، وأنت محسنا مسيء، أي: أنت في حال مساترتك معلن، وأنت في حال إحسانك عندي مسيء". وقياسا على ذلك يقال: أنت في حال سمرك ليلا مهجر، أي كأنك تفعل الشيء الفاضح في وقت الهاجرة ولو كنت في سواد الليل لأنك مجاهر لا تحتشم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

ضمير { به } يجوز أن يكون عائداً على الآيات لأنها في تأويل القرآن فيكون { مستكبرين } بمعنى معرضين استكباراً ويكون الباء بمعنى ( عن ) ، أو ضمّن { مستكبرين } معنى ساخرين فعدي بالباء للإشارة إلى تضمينه .

ويجوز أيضاً أن يكون الضمير للبيت أو المسجد الحرام وإن لم يتقدم له ذكر لأنه حاضر في الأذهان فلا يسمع ضمير لم يتقدم له معاد إلا ويُعلم أنه المقصود بمعونة السياق لا سيما وقد ذكرت تلاوة الآيات عليهم . وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آيات القرآن في المسجد الحرام إذ هو مجتمعهم . فتكون الباء للظرفية . وفيه إنحاء عليهم في استكبارهم . وفي كون استكبارهم في ذلك الموضع الذي أمر الله أن يكون مظهراً للتواضع ومكارم الأخلاق ، فالاستكبار في الموضع الذي شأن القائم فيه أن يكون قانتاً لله حنيفاً أشنعُ استكبار .

وعن منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي قاضي قرطبة أن الضمير في قوله { به } للنبيء صلى الله عليه وسلم والباء حينئذٍ للتعدية ، وتضمين { مستكبرين } معنى مكذبين لأن استكبارهم هو سبب التكذيب .

{ وسامراً } حال ثانية من ضمير المخاطبين ، أي حال كونكم سامرين . والسامر : اسم لجمع السامرين ، أي المتحدثين في سمر الليل وهو ظلمته ، أو ضوء قمره .

وأطلق السمر على الكلام في الليل ، فالسامر كالحاج والحاضر والجامل بمعنى الحجاج والحاضرين وجماعة الجمال . وعندي أنه يجوز أن يكون { سامراً } مراداً منه مجلس السمر حيث يجتمعون للحديث ليلاً ويكون نصبه على نزع الخافض ، أي في سامركم ، كما قال تعالى : { وتأتون في ناديكم المنكر } [ العنكبوت : 29 ] .

{ وتُهجِرون } بضم التاء وسكون الهاء وكسر الجيم في قراءة نافع مضارع أهجر : إذا قال الهُجر بضم الهاء وسكون الجيم وهو اللغو والسب والكلام السيء . وقرأ بقية العشرة بفتح التاء من هجر إذا لغا . والجملة في موضع الصفة ل { سامراً } ، أي في حال كونكم متحدثين هجراً وكان كبراء قريش يسمرون حول الكعبة يتحدثون بالطعن في الدين وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم