اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

قوله : «مُسْتَكْبِرِينَ » حال من فاعل «تَنْكِصُونَ »{[33138]} ،

و «بِهِ » فيه قولان : أحدهما : أنه متعلق ب «مُسْتَكْبِرِينَ » {[33139]} .

والثاني : أنه متعلق ب «سَامِراً » {[33140]} .

وعلى الأوَّل فالضمير للقرآن{[33141]} ، لأنهم كانوا يجتمعون{[33142]} حول البيت باللّيل يسمرون{[33143]} ، وكان عامة سمرهم{[33144]} ذكر القرآن ، وتسميته سحراً وشعراً . أو للبيت شرّفه الله - تعالى - كانوا يقولون : لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم ، كانوا يفتخرون به ، لأنهم ولاته ، والقائمون به . قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل الضمير في «بِهِ » للرسول - عليه السلام{[33138]} - . أو للنكوص المدلول عليه ب «تَنْكِصُونَ » كقوله : { اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى }{[33146]} [ المائدة : 8 ] . والباء في هذا كله للسببية ، لأنهم استكبروا بسبب القرآن لما تلي عليهم وبسبب البيت لأنهم كانوا يقولون نحن ولاته ، وبالرسول لأنهم كانوا يقولون هو منا دون غيرنا وبالنكوص لأنه سبب الاستكبار{[33147]} . وقيل : ضُمّن الاستكبار معنى التكذيب فلذلك عدي بالباء{[33148]} ، وهذا{[33149]} يتأتى على أن يكون الضمير للقرآن وللرسول .

وأمّا على الثاني وهو تعلقه ب «سَامِراً » فيجوز أن يكون الضمير عائداً على ما عاد عليه فيما تقدّم إلا النكوص ، لأنهم كانوا يسمرون بالقرآن وبالرسول يجعلونهما حديثاً لهم يخوضون في ذلك كما يسمر بالأحاديث وكانوا يسمرون في البيت فالباء ظرفية على هذا{[33150]} و «سَامِراً » نصب على الحال{[33151]} إمّا من فاعل «تَنْكِصُونَ » وإمّا من الضمير في ( مُسْتَكْبِرِينَ ) .

وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو حيوة ويروى عن أبي عمرو : «سُمّراً » بضم الفاء وفتح العين مشددة{[33152]} وزيد بن علي وأبو رجاء وابن عباس أيضا ( سمارا ) كذلك إلا أنه بزيادة ألف بين الميم والراء{[33153]} ، وكِلاَهُمَا جمع لِسَامِر ، وهما جمعان مقيسان لفاعل الصفة{[33154]} نحو ضُرَّب وضُرَّاب في ضَارِب ، والأفصح الإفراد ، لأنه يقع على ما فوق الواحد بلفظ الإفراد يقال : قَوْمٌ سَامِر{[33155]} ونظيره : «نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً » {[33156]} .

والسامِر مأخوذ من السَّمر ، وهو سَهَر{[33157]} الليل أو مأخوذ من السَّمَر : وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر ، فيجلسون إليه يتحدثون مستأنسين{[33158]} به قال :

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الحَجُونِ إلَى الصَّفَا *** أَنِيسٌ ولَمْ يَسْمُرْ بِمَكةَ سَامِرُ{[33159]}

وقال الراغب : السَّامِر : الليل المظلم{[33160]} يقال{[33161]} : وَلاَ آتِيكَ ما سَمَرَ ابْنَا سَمِيرٍ{[33162]} يعنون الليل والنهار . وقال الراغب : ويقال : سَامِرٌ ، وسُمَّارٌ ، وسَمَرَةٌ ، وسَامِرُونَ . وسَمَرْتُ الشيءَ ، وإبل{[33163]} مُسْمَرَةٌ ، أي : مُهْمَلَةٌ ، والسَّامِريُ : منسوب إلى رجل{[33164]} انتهى .

والسُّمْرَةُ أحد الألوان{[33165]} ، والسَّمْرَاء يكنى بها عن الحِنْطَة {[33166]} .

قوله : «تَهْجُرُونَ » قرأ العامة بفتح التاء وضم الجيم{[33167]} ، وهي تحتمل وجهين :

أحدهما : أنها من الهَجْر بسكون الجيم{[33168]} ، وهو القطع والصدّ . أي تهجرون آيات الله ورسوله ، وتزهدون فيهما فلا تصلونهما {[33169]} .

والثاني : أنها من الهَجَر - بفتحها - وهو الهذيان ، يقال : هَجَر المريض هَجَراً أي : هذى فلا مفعول له{[33170]} . ونافع وابن محيصن بضم التاء وكسر الجيم{[33171]} من أَهْجَر إهْجاراً ، أي : أفحش في منطقه{[33172]} قال ابن عباس : يعني كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه{[33173]} وقرأ زيد بن علي ، وابن محيصن ، وأبو نهيك بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم مشددة{[33174]} مضارع هَجّر بالتشديد ، وهو محتمل لأن يكون تضعيفاً للهَجَر أو للهَجْر ( أو للهُجْر{[33175]} ){[33176]} وقرأ ابن أبي عاصم كالعامة إلا أنه بالياء من تحت ، وهو التفات {[33177]} .


[33138]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[33139]:انظر الكشاف 3/51، التبيان 2/958، البحر المحيط 6/413.
[33140]:المراجع السابقة، والبيان 2/187.
[33141]:في ب: القرآن.
[33142]:في ب: يجمعون.
[33143]:في الأصل: يسمروا وفي ب: يسحرون.
[33144]:في ب: سحرهم.
[33146]:للتقوى: سقط من الأصل. [المائدة: 8].
[33147]:انظر التبيان 2/958، البحر المحيط 6/412 – 413.
[33148]:انظر الكشاف 3/51، البحر المحيط 6/412.
[33149]:في الأصل: ولهذا.
[33150]:انظر التبيان 2/958، البحر المحيط 6/413.
[33151]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/112، تفسير ابن عطية 10/318 البيان 2/187، التبيان 2/958.
[33152]:المحتسب، 2/96، تفسير ابن عطية 10/380، البحر المحيط 6/413.
[33153]:تفسير ابن عطية 10/380، البحر المحيط 6/413.
[33154]:وذلك أن (فعل) و (فعال) من أمثلة جموع الكثرة، ويطردان في كل وصف على (فاعل) صحيح اللام نحو ضارب وصائم، تقول في جمعهما ضرب وضراب، وصوم وصوام. شرح الأشموني 4/133.
[33155]:قال ابن جنى عند توجيهه قراءة (سمرا): السمر: جمع سامر، والسامر: القوم يسمرون، أي يتحدثون ليلا، وروينا عن قطرب أن السامر قد يكون واحدا وجماعة. المحتسب 2/96، وفي اللسان (سمر): والسامر اسم للجمع كالجامل، قال الأزهري: وقد جاءت حروف على لفظ فاعل، وهي جمع عن العرب، فمنها الجامل والسامر والباقر والحاضر والجامل للإبل، ويكون فيها الذكور والإناث، والسامر: الجماعة من الحي يسمرون ليلا، والحاضر: الحمي النزول على الماء والباقر: البقر فيها الفحول والإناث.
[33156]:[الحج: 5]. والتنظير بالآية على أن "طفلا" واحد في معنى الجمع التبيان 2/933.
[33157]:في ب: سمر.
[33158]:في ب: مستأنين. وهو تحريف.
[33159]:البيت من بحر الطويل قاله عمرو بن الحارث بن المضاض بن عمرو يتأسف على البيت، وقيل: هو للحارث الجرهمي، كما في اللسان. وهو في اللسان (جحن). الحجون: موضع بمكة، ناحية من البيت، وقيل: جبل بمكة وهي مقبرة. والاستشهاد بالبيت أن (سامر) يطلق على غير الواحد بلفظ المفرد فالسمار: الجماعة الذين يتحدثون بالليل.
[33160]:المفردات في غريب القرآن (242).
[33161]:في الأصل: قال.
[33162]:السمير: الدهر، وابنا سمير: الليل والنهار. المفردات في غريب القرآن (242)
[33163]:في الأصل: وابله.
[33164]:المفردات في غريب القرآن (242).
[33165]:السمرة: منزلة بين البياض والسواد، يكون ذلك في ألوان الناس والإبل، وغير ذلك مما يقبلها إلا أن الأدمة في الإبل أكثر. اللسان (سمر).
[33166]:اللسان (سمر).
[33167]:وهي غير قراءة نافع. السبعة (446) الحجة لابن خالويه (258) الكشف 2/129، النشر 2/329، الإتحاف 319.
[33168]:في ب: الميم. وهو تحريف.
[33169]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/113، تفسير ابن عطية 10/381، البيان 2/187، التبيان 2/958.
[33170]:تفسير ابن عطية 10/381، البيان 2/187، التبيان 2/958.
[33171]:السبعة (446)، الحجة لابن خالويه (258)، المحتسب 2/96، الكشف 2/129 النشر 2/329، الإتحاف 319.
[33172]:الكشف 2/129، مشكل إعراب القرآن 2/113، البيان 2/187، التبيان 2/959.
[33173]:تفسير ابن عطية 10/381.
[33174]:المختصر (98)، المحتسب 2/96، تفسير ابن عطية 10/381 – 382، البحر المحيط 6/413.
[33175]:المحتسب 2/97، تفسير ابن عطية 10/382، البحر المحيط 6/413.
[33176]:ما بين القوسين سقط من ب.
[33177]:البحر المحيط 6/413.