قوله : «مُسْتَكْبِرِينَ » حال من فاعل «تَنْكِصُونَ »{[33138]} ،
و «بِهِ » فيه قولان : أحدهما : أنه متعلق ب «مُسْتَكْبِرِينَ » {[33139]} .
والثاني : أنه متعلق ب «سَامِراً » {[33140]} .
وعلى الأوَّل فالضمير للقرآن{[33141]} ، لأنهم كانوا يجتمعون{[33142]} حول البيت باللّيل يسمرون{[33143]} ، وكان عامة سمرهم{[33144]} ذكر القرآن ، وتسميته سحراً وشعراً . أو للبيت شرّفه الله - تعالى - كانوا يقولون : لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم ، كانوا يفتخرون به ، لأنهم ولاته ، والقائمون به . قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل الضمير في «بِهِ » للرسول - عليه السلام{[33138]} - . أو للنكوص المدلول عليه ب «تَنْكِصُونَ » كقوله : { اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى }{[33146]} [ المائدة : 8 ] . والباء في هذا كله للسببية ، لأنهم استكبروا بسبب القرآن لما تلي عليهم وبسبب البيت لأنهم كانوا يقولون نحن ولاته ، وبالرسول لأنهم كانوا يقولون هو منا دون غيرنا وبالنكوص لأنه سبب الاستكبار{[33147]} . وقيل : ضُمّن الاستكبار معنى التكذيب فلذلك عدي بالباء{[33148]} ، وهذا{[33149]} يتأتى على أن يكون الضمير للقرآن وللرسول .
وأمّا على الثاني وهو تعلقه ب «سَامِراً » فيجوز أن يكون الضمير عائداً على ما عاد عليه فيما تقدّم إلا النكوص ، لأنهم كانوا يسمرون بالقرآن وبالرسول يجعلونهما حديثاً لهم يخوضون في ذلك كما يسمر بالأحاديث وكانوا يسمرون في البيت فالباء ظرفية على هذا{[33150]} و «سَامِراً » نصب على الحال{[33151]} إمّا من فاعل «تَنْكِصُونَ » وإمّا من الضمير في ( مُسْتَكْبِرِينَ ) .
وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو حيوة ويروى عن أبي عمرو : «سُمّراً » بضم الفاء وفتح العين مشددة{[33152]} وزيد بن علي وأبو رجاء وابن عباس أيضا ( سمارا ) كذلك إلا أنه بزيادة ألف بين الميم والراء{[33153]} ، وكِلاَهُمَا جمع لِسَامِر ، وهما جمعان مقيسان لفاعل الصفة{[33154]} نحو ضُرَّب وضُرَّاب في ضَارِب ، والأفصح الإفراد ، لأنه يقع على ما فوق الواحد بلفظ الإفراد يقال : قَوْمٌ سَامِر{[33155]} ونظيره : «نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً » {[33156]} .
والسامِر مأخوذ من السَّمر ، وهو سَهَر{[33157]} الليل أو مأخوذ من السَّمَر : وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر ، فيجلسون إليه يتحدثون مستأنسين{[33158]} به قال :
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الحَجُونِ إلَى الصَّفَا *** أَنِيسٌ ولَمْ يَسْمُرْ بِمَكةَ سَامِرُ{[33159]}
وقال الراغب : السَّامِر : الليل المظلم{[33160]} يقال{[33161]} : وَلاَ آتِيكَ ما سَمَرَ ابْنَا سَمِيرٍ{[33162]} يعنون الليل والنهار . وقال الراغب : ويقال : سَامِرٌ ، وسُمَّارٌ ، وسَمَرَةٌ ، وسَامِرُونَ . وسَمَرْتُ الشيءَ ، وإبل{[33163]} مُسْمَرَةٌ ، أي : مُهْمَلَةٌ ، والسَّامِريُ : منسوب إلى رجل{[33164]} انتهى .
والسُّمْرَةُ أحد الألوان{[33165]} ، والسَّمْرَاء يكنى بها عن الحِنْطَة {[33166]} .
قوله : «تَهْجُرُونَ » قرأ العامة بفتح التاء وضم الجيم{[33167]} ، وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أنها من الهَجْر بسكون الجيم{[33168]} ، وهو القطع والصدّ . أي تهجرون آيات الله ورسوله ، وتزهدون فيهما فلا تصلونهما {[33169]} .
والثاني : أنها من الهَجَر - بفتحها - وهو الهذيان ، يقال : هَجَر المريض هَجَراً أي : هذى فلا مفعول له{[33170]} . ونافع وابن محيصن بضم التاء وكسر الجيم{[33171]} من أَهْجَر إهْجاراً ، أي : أفحش في منطقه{[33172]} قال ابن عباس : يعني كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه{[33173]} وقرأ زيد بن علي ، وابن محيصن ، وأبو نهيك بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم مشددة{[33174]} مضارع هَجّر بالتشديد ، وهو محتمل لأن يكون تضعيفاً للهَجَر أو للهَجْر ( أو للهُجْر{[33175]} ){[33176]} وقرأ ابن أبي عاصم كالعامة إلا أنه بالياء من تحت ، وهو التفات {[33177]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.