فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ} (67)

{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي بالبيت العتيق . وقيل بالحرم ، والذي سوغ الإضمار قبل الذكر اشتهارهم بالاستكبار به وافتخارهم بولايته والقيام به ، وكانوا يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم وخدامه ، وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين ، وقيل الضمير عائد إلى القرآن ، والمعنى أن سماعه يحدث لهم كبرا وطغيانا فلا يؤمنون به ، قال ابن عطية : وهذا قول جيد ، وقال النحاس : القول الأول أولى ، وبينه بما ذكرناه ، فعلى الأول يكون به متعلقا بمستكبرين ؛ وعلى الثاني بقوله :

{ سَامِرًا } لأنهم كانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون ، وكان عامة سمرهم ذكر القرآن والطعن فيه ؛ والسامر كالحاضر ، والحاج والراكب والغائب في الإطلاق على الجمع قال الواحدي : السامر الجماعة يسمرون بالليل ، أي يتحدثون وقيل مأخوذ من السمر ، وهو سهر الليل . وقال الراغب : السامر الليل المظلم ، وقرئ سمرا وسمارا : ورويت هذه عن ابن عباس . قال : الراغب ويقال سامر وسمار وسمر وسامرون . ويجوز أن يتعلق { به } بقوله :

{ تَهْجُرُونَ } والهجر بالفتح الهذيان ، أي يهذون في شأن القرآن ؛ أو من الهجر بالضم وهو الفحش ، وقرئ تهجرون من أهجر ، أي أفحش في منطقه ، ومن هجّر بالتشديد ، ومن الهجران وهو الترك . ومن الهجر بسكون الجيم وهو القطع والصد ، أي تهجرون آيات الله ورسوله وتزهدون فيهما فلا تصلونهما ، وقرئ بالتحتية وفيه التفات .

قال ابن عباس : تسمرون حول البيت وتقولون هجرا ، وكانت قريشا يتحلقون حلقا يتحدثون حول البيت ، وعنه قال : كان المشركون يهجرون برسول الله صلى الله عليه وسلم في القول بسمرهم ، وعنه قال : إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية . أخرجه النسائي .