المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

123- ذكَّر الله المؤمنين بنعمة النصر في غزوة بدر{[34]} حين صبروا ، فأكد لهم أنه نصرهم فيها وهم قليلو العدد والعدة ، وطلب منهم طاعته لشكر هذه النعمة .


[34]:بدر على مسيرة نحو 120 ميلا من الجنوب الغربي للمدينة، وكان اللقاء فيها بين المسلمين وقريش في يوم الثلاثاء الموافق 17 من رمضان من السنة الثانية للهجرة (13 من مارس سنة 624 نمن الميلاد المسيحي) وكان خروج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أصحابه من المدينة لثمان خلون من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة (5 من مارس سنة 624 للميلاد المسيحي وكان عدد المقاتلين من المسلمين في هذه الغزوة ثلاثمائة رجل أو يزيدون قليلا. وعدد المشركين ثلاثة أمثالهم، وقد أنجز الله في هذه الغزوة وعده وكان النصر ما لا تفعله القوة المادية. وكان النصر المبين في هذه الغزوة سببا في أن صارت كلمة الإيمان هي العليا إذ كانت مقدمة لانتصارات بعدها وامتد ظل الإسلام إلى الجزيرة العربية كلها، ثم لما وراءها بعدها.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

قوله تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر } . وبدر موضع بين مكة والمدينة وهو اسم لموضع وعليه الأكثرون . وقيل اسم لبئر هناك ، وقيل كانت بدر بئراً لرجل يقال له بدر ، قاله الشعبي ، وأنكر الآخرون عليه . يذكر الله تعالى في هذه الآية منته عليهم بالنصرة يوم بدر .

قوله تعالى : { وأنتم أذلة } . جمع : ذليل ، وأراد به قلة العدد فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فنصرهم الله مع قلة عددهم وعددهم .

قوله تعالى : { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

وهذا امتنان منه على عباده المؤمنين ، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة في قلة عَددهم وعُددهم مع كثرة عدد عدوهم وعُددهم ، وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بثلاث مئة وبضعة عشر من أصحابه ، ولم يكن معهم إلا سبعون بعيرا وفرسان لطلب عير لقريش قدمت من الشام ، فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكاك عيرهم ، وخرجوا في زهاء ألف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة ، فالتقوا همم والمسلمون في ماء يقال له " بدر " بين مكة والمدينة فاقتتلوا ، ونصر الله المسلمين نصرا عظيما ، فقتلوا من المشركين سبعين قتيلا من صناديد المشركين وشجعانهم ، وأسروا سبعين ، واحتووا على معسكرهم ستأتي - إن شاء الله - القصة في سورة الأنفال ، فإن ذلك موضعها ، ولكن الله تعالى هنا أتى بها ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه ، فلهذا قال { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } لأن من اتقى ربه فقد شكره ، ومن ترك التقوى فلم يشكره ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

121

هكذا يبدأ الحديث عن المعركة التي لم ينتصر فيها المسلمون - وقد كادوا - وهي قد بدأت بتغليب الاعتبارات الشخصية على العقيدة عند المنافق عبد الله بن أبي ؛ وتابعه في حركته أتباعه الذين غلبوا اعتباره الشخصي على عقيدتهم . وبالضعف الذي كاد يدرك طائفتين صالحتين من المسلمين . ثم انتهت بالمخالفة عن الخطة العسكرية تحت مطارق الطمع في الغنيمة ! فلم تغن النماذج العالية التي تجلت في المعركة ، عن المصير الذي انتهت إليه ، بسبب ذلك الخلل في الصف ، وبسبب ذلك الغبش في التصور . .

وقبل أن يمضي في الاستعراض والتعقيب على أحداث المعركة التي انتهت بالهزيمة ، يذكرهم بالمعركة التي انتهت بالنصر - معركة بدر - لتكون هذه أمام تلك ، مجالا للموازنة وتأمل الأسباب والنتائج ؛ ومعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة ، وأسباب النصر وأسباب الهزيمة . ثم - بعد ذلك - ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله ؛ لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء . وأن مرد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين ، وفي جميع الأحوال :

( ولقد نصركم الله ببدر - وأنتم أذلة - فاتقوا الله لعلكم تشكرون . إذ تقول للمؤمنين : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ؟ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا ، يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين . وما جعله الله إلا بشرى لكم ، ولتطمئن قلوبكم به . وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم . ليقطع طرفا من الذين كفروا ، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين - ليس لك من الأمر شيء - أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون . ولله ما في السماوات وما في الأرض ، يغفر لمن يشاء ، ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ) . .

والنصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة - كما أسلفنا - فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر . لم تكن الكفتان فيها - بين المؤمنين والمشركين - متوازنتين ولا قريبتين من التوازن . كان المشركون حوالي ألف ، خرجوا نفيرا لاستغاثة أبي سفيان ، لحماية القافلة التي كانت معه ، مزودين بالعدة والعتاد ، والحرص على الأموال ، والحمية للكرامة . وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة ، لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة ، إنما خرجوا لرحلة هينة . لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها ؛ فلم يكن معهم - على قلة العدد - إلا القليل من العدة . وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم ، ومنافقون لهم مكانتهم ، ويهود يتربصون بهم . . وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة . ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة ، وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبته غير مستقرة في هذه البيئة !

فبهذا كله يذكرهم الله - سبحانه - ويرد ذلك النصر إلى سببه الأول في وسط هذه الظروف :

( ولقد نصركم الله ببدر . وأنتم أذلة . فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) . .

إن الله هو الذي نصرهم ؛ ونصرهم لحكمة نص عليها في مجموعة هذه الآيات . وهم لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم . فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله ، الذي يملك النصر والهزيمة ؛ والذي يملك القوة وحده والسلطان . فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر ؛ وأن تجعله شكرا وافيا لائقا بنعمة الله عليهم على كل حال .

/خ179

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

وقوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : يوم بدر ، وكان في جمعة{[5627]} وافق السابع عشر من رمضان ، من سنة اثنتين{[5628]} من الهجرة ، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ، ودمغَ فيه الشرك وخرَّب محِله ، [ هذا ]{[5629]} مع قلة عدد المسلمين يومئذ ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم فرسان وسبعُون بعِيرا ، والباقون مُشاة ، ليس معهم من العَدَد جميع ما يحتاجون إليه ، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبَيض ، والعدة{[5630]} الكاملة والخيول المسومة والحلي{[5631]} الزائد ، فأعز الله رسوله ، وأظهر وحيه وتنزيله ، وبَيَّضَ وَجْه النبي وقبيله ، وأخْزى الشيطان{[5632]} وجيله ولهذا قال تعالى - مُمْتَنا على عباده المؤمنين وحِزبه المتقين : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } أي : قليل عددكم ليعلموا{[5633]} أن النصر إنما هو من عند الله ، لا بكثرة العَدَد والعُدَد ؛ ولهذا قال في الآية الأخرى : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ]{[5634]} وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ التوبة : 25 - 27 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جَعْفَر ، حدثنا شُعْبَة ، عن سِمَاك قال : سمعت عِياضا الأشعري قال : شهدتُ الْيَرْمُوك وعلينا خمسة أمراء : أبو عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وابن حَسَنَة ، وخالد بن الوليد ، وعياض - وليس عياض هذا{[5635]} الذي حدث سماكا - قال : وقال عمر ، رضي الله عنه : إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة . قال : فكتبنا إليه{[5636]} إنه قد جاش إلينا الموت ، واستمددناه ، فكتب إلينا : إنه قد جاءني كتابكم تَسْتَمِدُّونَنِي{[5637]} وإني أدلكم على من هو أعز نصرًا ، وأحصن جندًا : الله عز وجل ، فاستنصروه ، فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصر يومَ بدر في أقل من عدتكم ، فإذا جاءكم كتابي فقاتلوهم ولا تراجعوني . قال{[5638]} فقاتلناهم فهزمناهم أربعة{[5639]} فراسخ ، قال : وأصبنا أموالا فتشاورنا ، فأشار علينا عياض أنْ نُعْطِيَ عن كل ذي رأس عشرة . قال : وقال أبو عبيدة : من يراهنني ؟ فقال شاب : أنا ، إن لم تَغْضَبْ . قال : فسبقه ، فرأيت عَقِيصَتَيْ أبي عُبَيدة تَنْقزان وهو خَلْفه على فرس عُرْي{[5640]} .

وهذا إسناد صحيح{[5641]} وقد أخرجه ابن حِبّان في صحيحه من حديث بُنْدَار ، عن غُنْدَر ، بنحوه ، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه .

وبَدْر مَحَلَّة بين مكة والمدينة ، تُعرف ببئرها ، منسوبة إلى رجل حفرها يقال له : " بدر بن النارين " . قال الشعبي : بدر بئر لرجل يسمى بدرًا .

وقوله : { فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تقومون بطاعته .


[5627]:في أ، و: "في يوم جمعة".
[5628]:في جـ: "اثنين".
[5629]:زيادة من أ، و.
[5630]:في أ: "والعدد".
[5631]:في جـ، ر: "الخيلاء".
[5632]:في أ، و: "وأحزن الشيطان وخيله".
[5633]:في، و: "لتعلموا".
[5634]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي الأصل: "إلى".
[5635]:في جـ: "هذا هو الذي".
[5636]:في أ: "له".
[5637]:في ر: "تستمدوني"
[5638]:في أ: "قالت".
[5639]:في جـ، ر: "أربع".
[5640]:في أ، و: "عربي".
[5641]:المسند (1/49) وصحيح ابن حبان (7/131) "الإحسان". وقال الهيثمي في المجمع (6/213): "رجاله رجال الصحيح".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : وإن تصبروا وتتقوا ، لا يضرّكم كيدهم شيئا ، وينصركم ربكم ، { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّه بَبدْرٍ } على أعدائكم { وأَنْتُمْ } يومئذٍ { أذِلّةٌ } يعني قليلون ، في غير منعة من الناس ، حتى أظهركم الله على عدوّكم مع كثرة عددهم ، وقلة عددكم ، وأنتم اليوم أكثر عددا منكم حينئذٍ ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم { فاتّقُوا الله } يقول تعالى ذكره : فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه { لَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ } يقول : لتشكروه على ما منّ به عليكم من النصر على أعدائكم ، وإظهار دينكم ، ولما هداكم له من الحقّ الذي ضلّ عنه مخالفوكم . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { ولَقَدْ نَصَركُمْ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ أذِلّةٌ } يقول : وأنتم أقلّ عددا ، وأضعف قوّة . { فاتّقُوا اللّه لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي فاتقون ، فإنه شكر نعمتي .

واختلف في المعنى الذي من أجله سمي بدر بدرا ، فقال بعضهم : سمي بذلك لأنه كان ماء لرجل يسمى بدرا ، فسمي باسم صاحبه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن زكريا ، عن الشعبي ، قال : كانت بدر لرجل يقال له بدر ، فسميت به .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا زكريا ، عن الشعبي أنه قال : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ } قال : كانت بدر بئرا لرجل يقال له بدر ، فسميت به .

وأنكر ذلك آخرون وقالوا : ذلك اسم سميت به البقعة كما سمي سائر البلدان بأسمائها ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحرث بن محمد ، قال : حدثنا ابن سعد ، قال : حدثنا محمد بن عمر الواقدي ، قال : حدثنا منصور ، عن أبي الأسود ، عن زكريا ، عن الشعبي ، قال : إنما سمي بدرا لأنه كان ماء لرجل من جهينة يقال له بدر . وقال الحرث : قال ابن سعد : قال الواقدي : فذكرت ذلك لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح ، فأنكراه ، وقالا : فلأيّ شيء سميت الصفراء ؟ ولأيّ شيء سميت الحمراء ؟ ولأيّ شيء سمي رابغ ؟ هذا ليس بشيء ، إنما هو اسم الموضع . قال : وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري ، فقال : سمعت شيوخنا من بني غفار يقولون : هو ماؤنا ومنزلنا ، وما ملكه أحد قط يقال له بدر ، وما هو من بلاد جهينة إنما هي بلاد غفار . قال الواقدي : فهذا المعروف عندنا .

حُدثت عن الحسن بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : بدر ماء عن يمين طريق مكة بين مكة والمدينة .

وأما قوله : { أذِلّةٌ } فإنه جمع ذليل ، كما الأعزّة جمع عزيز ، والألبّة جمع لبيب . وإنما سماهم الله عزّ وجلّ أذلة لقلة عددهم ، لأنهم كانوا ثلثمائة نفس وبضعة عشر ، وعدوّهم ما بين التسعمائة إلى الألف ، على ما قد بينا فيما مضى ، فجعلهم لقلة عددهم أذلة .

وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ أذِلّةٌ فاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } وبدر : ماء بين مكة والمدينة ، التقى عليه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم والمشركون ، وكان أوّل قتال قاتله نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذٍ : «أنْتُمْ اليَوْمَ بعدّةِ أصحَابِ طالُوتَ يَوْمَ لَقِيَ جالُوتَ » : فكانُوا ثَلَثَمِائةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، وَالمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ ألْفٌ أوْ رَاهَقُوا ذَلِكَ .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ أذِلّةٌ فاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } قال : يقول : وأنتم أذلة قليل ، وهم يومئذٍ بضعة عشر وثلثمائة .

حُدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، نحو قول قتادة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وأنْتُمْ أذِلّةٌ } أقلّ عددا وأضعف قوّة .

وأما قوله : { فاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُم تَشْكُرُونَ } فإن تأويله كالذي قد بينت كما :

حدثنا ابن حميد ، قال حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } : أي فاتقوني ، فإنه شكر نعمي .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

{ ولقد نصركم الله ببدر } تذكير ببعض ما أفادهم التوكل . وبدر ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرا فسمي به . { وأنتم أذلة } حال من الضمير ، وإنما قال أذلة ولم يقل ذلائل تنبيها على قلتهم مع ذلتهم لضعف الحال وقلة المراكب والسلاح . { فاتقوا الله } في الثبات { لعلكم تشكرون } بتقواكم ما أنعم به عليكم من نصره ، أو لعلكم بنعم الله عليكم فتشكرون فوضع الشكر موضع الأنعام لأنه سببه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

لما أمر الله تعالى بالتوكل عليه ، ذكر بأمر «بدر » الذي كان ثمرة التوكل على الله والثقة به ، فمن قال من المفسرين إن قول النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين : { ألن يكفيكم } . كان في غزوة بدر ، فيجيء التذكير بأمر «بدر » وبأمر الملائكة وقتالهم فيه مع المؤمنين ، محرضاً على الجد والتوكل على الله ، ومن قال : إن قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ألن يكفيكم } الآية ، إنما كان في غزوة أحد ، كان قوله تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر } إلى { تشكرون } اعتراضاً بين الكلام جميلاً ، والنصر ببدر هو المشهور الذي قتل فيه صناديد قريش ، وعلى ذلك اليوم انبنى الإسلام ، وكانت «بدر » يوم سبعة عشر من رمضان يوم جمعة لثمانية عشر شهراً من الهجرة ، و «بدر » ماء هنالك سمي به الموضع ، وقال الشعبي : كان ذلك الماء لرجل من جهينة يسمى بدراً فبه سمي ، قال الواقدي{[3483]} : فذكرت هذا لعبد الله بن جعفر{[3484]} ومحمد بن صالح{[3485]} فأنكراه وقالا : بأي شيء سميت الصفراء والجار وغير ذلك من المواضع ؟ . قال وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري{[3486]} فقال : سمعت شيوخاً من بني غفار يقولون : هو ماؤنا ومنزلنا وما ملكه أحد قط يقال له بدر ، وما هو من بلاد جهينة إنما هي بلاد غفار ، قال الواقدي : فهذا المعروف عندنا ، وقوله تعالى : { وأنتم أذلة } معناه قليلون ، وذلك أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلاً ، وكان عدوهم ما بين التسعمائة إلى الألف ، و { أذلة } جمع ذليل ، واسم الذل في هذا الموضع مستعار ، ولم يكونوا في أنفسهم إلا أعزة ، ولكن نسبتهم إلى عدوهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض يقتضي عند التأمل ذلتهم ، وأنهم مغلوبون ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم : اللهم ( إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ){[3487]} ، وهذه الاستعارة كاستعارة الكذب في قوله في الموطأ ، كذب كعب ، وكقوله كذب أبو محمد ، وكاستعارة المسكنة لأصحاب السفينة على بعض الأقوال ، إذ كانت مسكنتهم بالنسبة إلى الملك القادر الغاصب ، ثم أمر تعالى المؤمنين بالتقوى ، ورجاهم بالإنعام الذي يوجب الشكر ، ويحتمل أن يكون المعنى : اتقوا الله عسى أن يكون تقواكم شكراً على النعمة في نصره ببدر .


[3483]:- هو أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي مولى الأسلميين، كان يتشيع، حسن المذهب، يلزم التقية، كان من أهل المدينة، انتقل إلى بغداد وولي القضاء بها. كان عالما بالمغازي والسير والفُتوح واختلاف الناس في الحديث والفقه والأحكام والأخبار، توفي سنة 207. "الفهرست لابن النديم 144".
[3484]:- عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمود، ولد بأرض الحبشة حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه وعن أبويه، وعنه بنوه، كان يقال له: قطب السخاء، كان أحد أمراء علي يوم صفين، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي)..." الإصابة 2/289".
[3485]:- محمد بن صالح بن دينار التمار، أبو عبد الله المدني، مولى الأنصار، روى عن أبي حازم، والقاسم، وعمر بن عبد العزيز، وعنه ابنه صالح، والواقدي وغيرهما، ثقة قليل الحديث، توفي سنة 168هـ" تهذيب التهذيب: 2/225".
[3486]:- لم نعثر على ترجمته فيما لدينا من المراجع.
[3487]:- أخرجه مسلم في صحيحه في باب الإمداد بالملائكة من كتاب "الجهاد 5/156".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

إذ قد كانت وقعة أحُد لم تنكشف عن نصر المسلمين ، عَقَّب الله ذكرها بأن ذكَّرهم الله تعالى نَصره إيّاهم النصر الَّذي قدّره لهم يوم بدر ، وهو نصر عظيم إذ كان نصرَ فئة قليلةٍ على جيش كثير ، ذي عُدد وافرة ، وكان قتلى المشركين يومئذ سادةَ قريش ، وأيمّة الشرك ، وحسبك بأبي جهل بن هشام ، ولذلك قال تعالى : { وأنتم أذلة } أي ضعفاء . والذلّ ضد العزّ فهو الوهن والضعف . وهذا تعريض بأنّ انهزام يوم أحُد لا يفلّ حدّة المسلمين لأنّهم صاروا أعزّة . والحرب سجال .

وقوله : { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } اعتراض بين جملة { ولقد نصركم الله ببدر } ومتعلّق فعلها أعني { إذ تقول للمؤمنين } . والفاء للتفريع والفاء تقع في الجملة المعترضة على الأصحّ ، خلافاً لمن منع ذلك من النحويين . . فإنَّه لمّا ذكّرهم بتلك المنّة العظيمة ذكّرهم بأنَّها سبب للشكر فأمرهم بالشكر بملازمة التَّقوى تأدّباً بنسبة قوله تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } [ إبراهيم : 70 ] .

ومن الشكر على ذلك النَّصر أن يثبتوا في قتال العدو ، وامتثالُ أمر النَّبيء صلى الله عليه وسلم وأن لا تَفُلّ حدّتَهم هزيمة يوم أحُد .