قوله تعالى : { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } ، من النفاق أي : علم أن ما في قلوبهم خلاف ما في ألسنتهم .
قوله تعالى : { فأعرض عنهم } ، أي : عن عقوبتهم ، وقيل : فأعرض عنهم ، عن قبول عذرهم .
قوله تعالى : { وعظهم } . باللسان .
قوله تعالى : { وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً } . قيل : هو التخويف بالله ، وقيل : أن يوعدهم بالقتل إن لم يتوبوا . قال الحسن : القول البليغ أن يقول لهم : إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم ، لأنه يبلغ من نفوسكم كل مبلغ . وقال الضحاك : فأعرض عنهم وعظهم في الملأ وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً في السر ، والخلاء ، وقيل : هذا منسوخ بآية القتال .
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } أي : من النفاق والقصد السيئ . { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي : لا تبال بهم ولا تقابلهم على ما فعلوه واقترفوه . { وَعِظْهُمْ } أي : بين لهم حكم الله تعالى مع الترغيب في الانقياد لله ، والترهيب من تركه { وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا } أي : انصحهم سرا بينك وبينهم ، فإنه أنجح لحصول المقصود ، وبالغ في زجرهم وقمعهم عمَّا كانوا عليه ، وفي هذا دليل على أن مقترف المعاصي وإن أعرض عنه فإنه ينصح سرًا ، ويبالغ في وعظه بما يظن حصول المقصود به .
والله - سبحانه - يكشف عنهم هذا الرداء المستعار . ويخبر رسوله [ ص ] ، أنه يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانحهم . ومع هذا يوجهه إلى أخذهم بالرفق ، والنصح لهم بالكف عن هذا الالتواء :
( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم . فأعرض عنهم وعظهم ، وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) . .
أولئك الذين يخفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ؛ ويحتجون بهذه الحجج ، ويعتذرون بهذه المعاذير . والله يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . . ولكن السياسة التي كانت متبعة - في ذلك الوقت - مع المنافقين كانت هي الإغضاء عنهم ، وأخذهم بالرفق ، واطراد الموعظة والتعليم . .
وقل لهم . . في أنفسهم . . قولا بليغًا .
تعبير مصور . . كأنما القول يودع مباشرة في الأنفس ، ويستقر مباشرة في القلوب .
{ أُولََئِكَ الّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لّهُمْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { أولئك } هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك يا محمد صفتهم ، يعلم الله مّا في قلوبهم في احتكامهم إلى الطاغوت ، وتركهم الاحتكام إليك ، وصدودهم عنك من النفاق والزيغ ، وإن حلفوا بالله ما أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ، { فأعْرِضْ عَنْهُمْ وعِظْهُمْ } يقول : فدعهم فلا تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم ، ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأس الله أن يحلّ بهم ، وعقوبته أن تنزل بدارهم ، وحَذّرْهُمْ من مكروه ما هم عله من الشكّ في أمر الله وأمر رسوله . { وقُلْ لَهُمْ في أَنْفُسَهِمْ قَوْلاً بَلِيغا } يقول : مرهم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده .
{ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } من النفاق فلا يغني عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب . { فأعرض عنهم } أي عن عقابهم لمصلحة في استبقائهم أو عن قبول معذرتهم . { وعظهم } بلسانك وكفهم عما هم عليه . { وقل لهم في أنفسهم } أي في معنى أنفسهم أو خاليا بهم فإن النصح في السر أنجع . { قولا بليغا } يبلغ منهم ويؤثر فيهم ، أمرهم التجافي عن ذنوبهم والنصح لهم والمبالغة فيه بالترغيب والترهيب ، وذلك مقتضى شفقة الأنبياء عليهم السلام ، وتعليق الظرف ببليغا على معنى بليغا في أنفسهم مؤثرا فيها ضعيف لأن معمول الصفة لا يتقدم على الموصوف ، والقول البليغ في الأصل هو الذي يطابق مدلوله المقصود به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.