قوله عز وجل : { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً فنقبوا في البلاد } ضربوا وساروا وتقلبوا وطافوا ، وأصله من النقب ، وهو الطريق كأنهم سلكوا كل طريق . { هل من محيص } فلم يجدوا محيصاً من أمر الله . وقيل : هل من محيص مفر من الموت ؟ فلم يجدوا فيه إنذار لأهل مكة وأنهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفراً عن الموت يموتون ، فيصيرون إلى عذاب الله .
{ 36-37 } { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }
يقول تعالى -مخوفًا للمشركين المكذبين للرسول : - { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ } أي : أمما كثيرة هم أشد من هؤلاء بطشًا أي : قوة وآثارًا في الأرض .
ولهذا قال : { فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ } أي : بنوا الحصون المنيعة والمنازل الرفيعة ، وغرسوا الأشجار ، وأجروا الأنهار ، وزرعوا ، وعمروا ، ودمروا ، فلما كذبوا رسل الله ، وجحدوا آيات الله ، أخذهم الله بالعقاب الأليم ، والعذاب الشديد ، ف { هَلْ مِنْ مَحِيصٍ } أي : لا مفر لهم من عذاب الله ، حين نزل بهم ، ولا منقذ ، فلم تغن عنهم قوتهم ، ولا أموالهم ، ولا أولادهم .
ثم يجيء المقطع الأخير في السورة ، كأنه الإيقاع الأخير في اللحن ، يعيد أقوى نغماته في لمس سريع . فيه لمسة التاريخ ومصارع الغابرين . وفيه لمسة الكون المفتوح وكتابه المبين . وفيه لمسة البعث والحشر في مشهد جديد . ومع هذه اللمسات التوجيه الموحي العميق للمشاعر والقلوب :
( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا ، فنقبوا في البلاد هل من محيص ? إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب . فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب . ومن الليل فسبحه وأدبار السجود . واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب . يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج . إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير . يوم تشقق الأرض عنهم سراعا . ذلك حشر علينا يسير . نحن أعلم بما يقولون ، وما أنت عليهم بجبار ، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) . .
ومع أن هذه اللمسات كلها قد سبقت في سياق السورة ، إلا أنها حين تعرض في الختام تعرض جديدة الإيقاع جديدة الوقع . بهذا التركيز وبهذه السرعة . ويكون لها في الحس مذاق آخر غير مذاقها وهي مبسوطة مفصلة من قبل في السورة . وهذه هي خصيصة القرآن العجيبة !
قال من قبل : ( كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود ، وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع . كل كذب الرسل فحق وعيد ) . .
وقال هنا : ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا ، فنقبوا في البلاد . هل من محيص )?
الحقيقة التي يشير إليها هي هي . ولكنها في صورتها الجديدة غيرها في صورتها الأولى . ثم يضيف إليها حركة القرون وهي تتقلب في البلاد ، وتنقب عن أسباب الحياة ، وهي مأخوذة في القبضة التي لا يفلت منها أحد ، ولا مفر منها ولا فكاك : ف ( هل من محيص )? . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.