البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} (36)

{ أهلكنا } : أي قبل قريش .

{ هم أشدّ منهم بطشاً } ، لكثرة قوتهم وأموالهم .

وقرأ الجمهور : { فنقبوا } ، بفتح القاف مشددة ، والظاهر أن الضمير في نقبوا عائد على كم ، أي دخلوا البلاد من أنقابها .

والمعنى : طافوا في البلاد .

وقيل : نقروا وبحثوا ، والتنقيب : التنقير والبحث .

قال امرؤ القيس في معنى التطواف :

وقد نقبت في الآفاق حتى *** رضيت من الغنيمة بالإياب

وروي : وقد طوفت .

وقال الحارث بن خالدة :

نقبوا في البلاد من حذر الموت *** وجالوا في الأرض كل مجال

وفنقبوا متسبب عن شدة بطشهم ، فهي التي أقدرتهم على التنقيب وقوتهم عليه .

ويجوز أن يعود الضمير في فنقبوا على قريش ، أي فنقبوا في أسفارهم في بلاد القرون ، فهل رأوا محيصاً حتى يؤملوه لأنفسهم ؟ ويدل على عود الضمير على أهل مكة قراءة ابن عباس ، وابن يعمر ، وأبي العالية ، ونصر بن يسار ، وأبي حيوة ، والأصمعي عن أبي عمرو : بكسر القاف مشدّدة على الأمر لأهل مكة ، أي فسيحوا في البلاد وابحثوا .

وقرىء : بكسر القاف خفيفة ، أي نقبت أقدامهم وأخفاف إبلهم ، أو حفيت لكثرة تطوافهم في البلاد ، من نقب خف البعير إذا انتقب ودمى .

ويحتمل أن يكون { هل من محيص } على إضمار القول ، أي يقولون هل من محيص من الهلاك ؟ واحتمل أن لا يكون ثم قول ، أي لا محيص من الموت ، فيكون توفيقاً وتقريراً .