فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} (36)

خوّف سبحانه أهل مكة بما اتفق للقرون الماضية { قَبْلَهُمْ } أي قبل قريش ومن وافقهم { مّن قَرْنٍ } أي من أمة { هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } أي قوة ، كعاد وثمود ، وغيرهما { فَنَقَّبُواْ فِي البلاد } أي ساروا وتقلبوا فيها وطافوا بقاعها وأصله من النقب ، وهو الطريق . قال مجاهد : ضربوا وطافوا . وقال النضر بن شميل : دوّروا ، وقال المؤرج : تباعدوا . والأوّل أولى ، ومنه قول امرئ القيس :

وقد نقبت في الآفاق حتى *** رضيت من الغنيمة بالإياب

ومنه قول الحارث بن حلزة :

نقبوا في البلاد من حذر المو *** ت وجالوا في الأرض كل مجال

وقرأ ابن عباس والحسن وأبو العالية وأبو عمرو في رواية : ( نَقَبُوا ) بفتح القاف مخففة ، والنقب هو : الخرق والطريق في الجبل ، وكذا المنقب والمنقبة ، كذا قال ابن السكيت ، وجمع النقب نقوب . وقرأ السلمي ، ويحيى بن يعمر بكسر القاف مشدّدة على الأمر للتهديد : أي طوّفوا فيها وسيروا في جوانبها . وقرأ الباقون بفتح القاف مشدّدة على الماضي { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي هل لهم من مهرب يهربون إليه ، أو مخلص يتخلصون به من العذاب ؟ قال الزجاج : لم يروا محيصاً من الموت ، والمحيص : مصدر حاص عنه يحيص حيصاً وحيوصاً ومحيصاً ومحاصاً وحيصاناً : أي عدل وحاد ، والجملة مستأنفة لبيان أنه لا مهرب لهم ، وفي هذا إنذار لأهل مكة أنهم مثل من قبلهم من القرون لا يجدون من الموت والعذاب مفرًّا .