فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} (36)

ثم خوف سبحانه أهل مكة بما اتفق للقرون الماضية قبلهم ، فقال :

{ وكم أهلكنا قبلهم } أي قبل قريش ومن وافقهم { من قرن } أي أمة كثيرة من الكفار { هم أشد منهم بطشا } أي : قوة كعاد وثمود وغيرهم { فنقبوا في البلاد } قرئ بتشديد القاف على الماضي ، والتنقيب التنقير عن الأمر والبحث والطلب ، أي ساروا وتقلبوا فيها ، وطافوا بقاعها طلبا للهرب ، وأصله من النقب وهو الطريق ، قال مجاهد : ضربوا وطافوا ، وقال النضر بن شميل : دوروا ، وقال المؤرج : تباعدوا ، والأول أولى ؛ وقرأ ابن عباس وغيره نقبوا بفتح القاف مخففة والنقب هو الخرق والطريق في الجبل وكذا المنقب والمنقبة ؛ كذا قال ابن السكيت : وجمع النقب نقوب ؛ وقرئ بكسر القاف مشددة على الأمر للتهديد ، أي طوفوا فيها وسيروا في جوانبها .

ولما كان التقدير ولم يسلموا مع كثرة تنقيبهم وتفتيشهم توجه سؤال فيه تنبيه الغافل وتقريع وتبكيت للمعاند الجاهل بقوله { هل من محيص ؟ } لهم أو لغيرهم : أي من معدل ومحيد ، ومهرب يهربون إليه من الموت أو مخلص يتخلصون به من العذاب ؛ ليكون لهؤلاء وجه ما في رد أمرنا ؛ وهل حرف استفهام ، ومن زائدة ، قال الزجاج : لم يروا محيصا من الموت ؛ والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا أي عدل وحاد ، والجملة مستأنفة لبيان أنه لا مهرب لهم ولا مفر ، وهي من كلام الله تعالى ، إذ لو كانت من كلامهم لكان التقدير هل من محيص لنا ؟ فليتأمل وفي هذا إنذار لأهل مكة أنهم مثل من قبلهم من القرون لا يجدون من الموت والعذاب مفرا .