{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه } وتناهى عن المعاصي . وقيل : الرضا ينقسم إلى قسمين : رضاً به ، ورضاً عنه ، فالرضا به : رباً ومدبراً ، والرضا عنه : فيما يقضي ويقدر . قال السدي رحمه الله : إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك ؟
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة قال : سمعت قتادة عن أنس بن مالك " قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك : { لم يكن الذين كفروا } قال : وسماني ربي ؟ قال : نعم . فبكى " . وقال همام عن قتادة : أمرني أن أقرأ عليك القرآن .
{ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي : جنات إقامة ، لا ظعن فيها ولا رحيل ، ولا طلب لغاية فوقها ، { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } فرضي عنهم بما قاموا به من مراضيه ، ورضوا عنه ، بما أعد لهم من أنواع الكرامات وجزيل المثوبات { ذَلِكَ } الجزاء الحسن { لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي : لمن خاف الله ، فأحجم عن معاصيه ، وقام بواجباته{[1]}
القول في تأويل قوله تعالى : { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رّضِىَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبّهُ } .
يقول تعالى ذكره : ثواب هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم يوم القيامة جَنّاتُ عَدْنٍ ، يعني بساتين إقامَة لاظَعْن فيها ، تجري من تحت أشجارها الأنهار خالِدِينَ فِيها أبَدا يقول : ماكثين فيها أبدا ، لا يخرجون عنها ، ولا يموتون فيها { رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ } بما أطاعوه في الدنيا ، وعملوا لخلاصهم من عقابه في ذلك { وَرَضُوا عَنْهُ } بما أعطاهم من الثواب يومئذٍ ، على طاعتهم ربهم في الدنيا ، وجزاهم عليها من الكرامة .
وقوله : { ذَلكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبّهُ } يقول تعالى ذكره : هذا الخير الذي وصفته ، ووعدته الذين آمنوا وعملوا الصالحات يوم القيامة ، { لمن خشي ربه } يقول : لمن خاف الله في الدنيا في سرّه وعلانيته ، فاتقاه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، وبالله التوفيق .
{ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم وروضا عنه } .
وجملة : { جزاؤهم عند ربهم جنات عدن } إلى آخرها مبيِّنة لجملة : { أولئك هم خير البريئة } .
و { عند ربهم } ظرف وقع اعتراضاً بين { جزاؤهم } وبين { جنات عدن } للتنويه بعِظَم الجزاء بأنه مدَّخر لهم عند ربهم تكرمةً لهم لما في { عند } من الإِيماء إلى الحظوة والعناية ، وما في لفظ ربهم من الإِيماء إلى إجزال الجزاء بما يناسب عظم المضاف إليه { عندَ } ، وما يناسب شأن من يَرُب أن يبلغ بمربوبه عظيم الإحسان .
وإضافة : { جنات } إلى { عدن } لإِفادة أنها مسكنهم لأن العَدْن الإِقامة ، أي ليس جزاؤهم تنزهاً في الجنات بل أقوى من ذلك بالإِقامة فيها .
وقوله : { خالدين فيها أبداً } بشارة بأنها مسكنهم الخالد .
ووصف الجنات ب { تجري من تحتها الأنهار } لبيان منتهى حسنها .
وجَرْيُ النهر مستعار لانتقال السيْل تشبيهاً لسرعة انتقال الماء بسرعة المشي .
والنهر : أخدود عظيم في الأرض يسيل فيه الماء فلا يطلق إلا على مجموع الأخدود ومائه . وإسناد الجري إلى الأنهار توسع في الكلام لأن الذي يجري هو ماؤها وهو المعتبر في ماهية النهر .
وجعل جزاء الجماعة جمعَ الجنات فيجوز أن يكون على وجه التوزيع ، أي لكل واحد جنة كقوله تعالى : { يجعلون أصابعهم في آذانهم } [ البقرة : 19 ] وقولك : ركب القوم دوابَّهم ، ويجوز أن يكون لكل أحد جنات متعددة والفضل لا ينحصر قال تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] .
وجملة : { رضي الله عنهم } حال من ضمير { خالدين } ، أي خالدين خلوداً مقارناً لرضى الله عنهم ، فهم في مدة خلودهم فيها محفوفون بآثار رضى الله عنهم ، وذلك أعظم مراتب الكرامة قال تعالى : { ورضوان من اللَّه أكبر } [ التوبة : 72 ] ورِضَى الله تعلق إحسانه وإكرامه لعبده .
وأما الرضى في قوله : { ورضوا عنه } فهو كناية عن كونهم نالهم من إحسان الله ما لا مطلب لهم فوقه كقول أبي بكر في حديث الغار : « فشَرب حتى رضيتَ » ، وقول مخرمة حين أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قَباءً : « رَضِيَ مخرمة » . وزاده حُسْن وقع هنا ما فيه من المشاكلة .
{ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ربه } .
تذييل آت على ما تقدم من الوعد للذين آمنوا والوعيد للذين كفروا بُيّن به سبب العطاء وسبب الحرمان وهو خشية الله تعالى بمنطوق الصلة ومفهومها .
والإِشارة إلى الجزاء المذكور في قوله : { جزاؤهم عند ربهم } يعني أن السبب الذي أنالهم ذلك الجزاء هو خشيتهم الله فإنهم لما خشوا الله توقعوا غضبه إذا لم يصغوا إلى من يقول لهم : إني رسول الله إليكم ، فأقبلوا على النظر في دلائل صدق الرسول فاهتدوا وآمنوا ، وأما الذين آثروا حظوظ الدنيا فأعرضوا عن دعوة رسول من عند الله ولم يتوقعوا غضب مرسله فبقوا في ضلالهم .
فما صدْقُ : « من خشي ربه » هم المؤمنون ، واللام للملك ، أي ذلك الجزاء للمؤمنين الذين خشوا ربهم فإذا كان ذلك ملكاً لهم لم يكن شيء منه ملكاً لغيرهم فأفاد حرمان الكفرة المتقدم ذكرهم وتم التذييل .
وفي ذكر الرب هنا دون أن يقال : ذلك لمن خشي الله ، تعريض بأن الكفار لم يرعوا حق الربوبية إذ لم يخشوا ربهم فهم عبيد سوء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.