فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

{ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ } أي ثوابهم عند خالقهم بمقابلة ما وقع منهم من الإيمان والعمل الصالح { جنات عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار } والمراد بجنات عدن هي أوسط الجنات وأفضلها ، يقال عدن بالمكان يعدن عدناً : أي أقام ، ومعدن الشيء : مركزه ومستقرّه ، ومنه قول الأعشى :

وإن يستضافوا إلى علمه *** يضافوا إلى راجح قد عدن

وقد قدّمنا في غير موضع أنه إن أريد بالجنات الأشجار الملتفة ، فجريان الأنهار من تحتها ظاهر ، وإن أريد مجموع قرار الأرض والشجر ، فجري الأنهار من تحتها باعتبار جزئها الظاهر ، وهو الشجر { خالدين فِيهَا أَبَداً } لا يخرجون منها ولا يظعنون عنها ، بل هم دائمون في نعيمها مستمرّون في لذاتها ، { رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } الجملة مستأنفة لبيان ما تفضل الله به عليهم من الزيادة على مجرّد الجزاء ، وهو رضوانه عنهم حيث أطاعوا أمره وقبلوا شرائعه ، ورضاهم عنه حيث بلغوا من المطالب ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ويجوز أن تكون الجملة خبراً ثانياً ، وأن تكون في محل نصب على الحال بإضمار قد { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي ذلك الجزاء والرضوان لمن وقعت منه الخشية لله سبحانه في الدنيا وانتهى عن معاصيه بسبب تلك الخشية التي وقعت له لا مجرّد الخشية مع الانهماك في معاصي الله سبحانه فإنها ليست بخشية على الحقيقة .

/خ8