تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

الآية8 : وقوله تعالى : { جزاؤهم عند ربهم جنات عدن } فإن كان العدن هو المقام ، فجميع الجنان عدن ، وجميع الجنان{[23929]}نعيم . ثم قد قسم الخلق صنفين : ( صنفا ){[23930]} جعله { شر البرية } وصنفا{[23931]} جعله { خير البرية } . ثم يكون من كل صنف شر من شر ، وخير من خير ، وسوى بين من نشأ على الكفر ، ودام عليه في التأبيد والتخليد ، وبين من أحدث الكفر في آخر عمره ، وكذلك من دام على الإيمان ، ومن أحدثه ، سوّى بينهما ، ولم يجعل لما مضى من الكفر جزاء ولا عقابا ، وذلك ، والله أعلم ، هو أن من اعتقد إيمانا إنما{[23932]} يعتقد للأبد ، وكذلك من يعتقد الكفر إنما يعتقد للأبد .

فإذا أحدث الإيمان بعد الكفر اعتقد قبح ( ما ){[23933]}عمل في حال كفره وشره وحسن ما أحدث من الإيمان والتوحيد . وكذلك من أحدث الكفر بعد الإيمان اعتقد فساد ما عمل في حال إيمانه .

لذلك ( سوى ){[23934]}بين من أحدث وبين من دام عليه ، وليس كمن يذنب في وقت ، ويتوب في وقت ، لأنه ( ليس ){[23935]} يعتقد حسن ذلك ولا قبحه في الأبد ، والله الموفق .

وقوله تعالى : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ( يحتمل وجهين ){[23936]} :

أحدهما : يقول : { رضي الله عنهم } بعملهم الذي عملوا لأنفسهم ، وسعيهم الذي سعوا في الدنيا لهم ، رضي الله عن سعيهم لهم ، { ورضوا عنه } أي رضوا هم عنه بما أكرمهم ، ووفقهم للأعمال التي عملوا لأنفسهم في الدنيا ، وهو كقوله تعالى : { وإن تشكروا يرضه لكم } ( الزمر : 7 ) أي إن قبلوا ما أحسن إليهم ، وأحسنوا صحبة إحسانه إليهم يرض ذلك لهم .

وهذا يدل أن ما يعملون من خير أو شر إنما يعملون لأنفسهم ، ولمنفعة ترجع ، أو مضرة تندفع عنهم .

والثاني : { رضي الله عنهم } بما أكرمهم من الثواب لأعمالهم التي عملوا لأنفسهم { ورضوا عنه } بكرامته التي أكرمهم .

وقوله تعالى : { رضي الله عنهم } هذا منه إفضال وإنعام حين{[23937]} ذكر رضاه عنهم .

وإن ذكر العفو والتجاوز كان حقا . ولكن هذا كما ذكر من لطيف معاملته عباده حين{[23938]} سمى ما ادخروا في وقت حاجتهم إليه قرضا حسنا حين{[23939]}قال : { وأقرضوا الله قرضا حسنا } ( المزمل : 20 ) وسمى بذلهم أنفسهم وأموالهم شراء{[23940]} وما يعملون لأنفسهم جزاء وشكرا ، وأموالهم وأنفسهم في الحقيقة له .

ولكن سمى الذي ذكرنا لطفا منه وفضلا . فعلى ذلك ما ذكر من رضاه عنهم به .

وكذلك قوله : { ورضوا عنه } ذكر رضاهم عنه بفضله ولطفه ، وإلا فمنهم{[23941]} الرضا عن الله تعالى .

ثم هو يخرج على وجهين سوى ما ذكرنا :

أحدهما : { ورضوا عنه } بما امتحنهم في الدنيا بالمحن الشديدة العظيمة ، وإن اشتدت ، وثقلت{[23942]} على أنفسهم ، إذا رأوا إحسان الله تعالى وفضله في الآخرة .

والثاني : { ورضوا عنه } بالنعم التي أكرمهم في الجنة { لا يبغون عنها حولا } ولا يريدون غيرها ، ولا يملون ( على ما يملون ){[23943]} في الدنيا .

قال أبو عوسجة : { منفكين } أي لا يزالون على هذه الحال ، يقول الرجل : ما انفككت أفعل كذا وكذا . وقال القتبي وأبو عبيد وغيرهما : { منفكين } زائلين .

وقوله تعالى : { ذلك لمن خشي ربه } أي الذي ذكر من الجزاء لمن خشي نقمته أو خشي سوء صحبة نعمه .

وأصله : أن من اجتنب المعاصي ، وعمل بالطاعات ، فإنما يفعل ذلك لخشية ربه تعالى ، فكل من ( هو ){[23944]} أعلم بربه فهو أخشى لربه تعالى ، ومن ( هو ){[23945]} أجهل به فهو أجرأ ( على معصيته ){[23946]} .

قال الله تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ( فاطر : 28 ) .

وقال الحسن : الخشية ، هي{[23947]} الخوف اللازم في القلب الدائم فيه ، أي{[23948]} خشي خلافه وكفران نعمه ، والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين .


[23929]:ساقطة من م
[23930]:ساقطة من الأصل وم
[23931]:في الأصل وم: و
[23932]:من م، في الأصل: تاما
[23933]:من م، ساقطة من الأصل
[23934]:من نسخة الحرم المكي ساقطة من الأصل وم
[23935]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم
[23936]:ساقطة من الأصل وم
[23937]:في الأصل وم: حيث
[23938]:في الأصل وم: حيث
[23939]:في الأصل وم: حيث
[23940]:إشارة إلى قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}
[23941]:الفاء ساقطة من الأصل وم
[23942]:أدرج قبلها في الأصل وم: ذلك
[23943]:من م، ساقطة من الأصل
[23944]:ساقطة من الأصل وم
[23945]:ساقطة من الأصل وم
[23946]:ساقطة من الأصل وم
[23947]:في الأصل وم: هو
[23948]:في الأصل وم: أو