فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

{ جزاؤهم عند ربهم } أي ثوابهم عند خالقهم بمقابلة ما وقع منهم من الإيمان والعمل الصالح { جنات عدن } هذا من مقابلة الجمع بالجمع ، وهو يقتضي انقسام الآحاد على الآحاد ، فيكون لكل واحد جنة ، وقيل : الجمع باق على حقيقته ، وأن لكل واد جنات كما يدل عليه قوله { ولمن خاف مقام ربه جنتان } { ومن دونهما جنتان } فذكر للواحد أربع جنات ، وأدنى تلك الجنات مثل الدنيا بما فيها عشر مرات .

والمراد بجنات عدن هي أوسط الجنات وأفضلها . يقال : عدن بالمكان يعدن عدنا أي أقام ، ومعدن الشيء مركزه ومستقره { تجري من تحتها الأنهار } الأربعة ، وهي الخمر والماء والعسل واللبن ، وقد قدمنا في غير موضع أنه إن أريد بالجنات الأشجار الملتفة الأنهار من تحتها ظاهر ، وإن أريد مجموع قرار الأرض والشجر فجري الأنهار من تحتها باعتبار جزئها الظاهر ، وهو الشجر .

{ خالدين فيها أبدا } لا يخرجون منها ولا يظعنون عنها ؛ بل هم دائمون في نعيمها مستمرون في لذاتها .

وجملة { رضي الله عنهم ورضوا عنه } مستأنفة لبيان ما تفضل الله به عليهم من الزيادة على مجرد الجزاء وهو رضوانه عنهم حيث أطاعوا أمره ، وقبلوا شرائعه ، ورضاهم عنه حيث بلغوا من المطالب " ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ويجوز أن تكون الجملة خبرا ثانيا ، وأن تكون في محل نصب على الحال بإضمار قد .

{ ذلك لمن خشي ربه } أي ذلك الجزاء والرضوان لمن وقعت منه الخشية لله سبحانه في الدنيا ، وانتهى عن معاصيه بسبب تلك الخشية التي وقعت له لا مجرد الخشية مع الانهماك في معاصي الله سبحانه ، فإنها ليست بخشية على الحقيقة .