محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

{ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار } أي بساتين إقامة لا ظعن فيها ، تجري من تحت أشجارها وغرفها الأنهار { خالدين فيها أبدا } أي ماكثين على الدوام لا يخرجون عنها ولا يموتون فيها { رضي الله عنهم } أي بما أطاعوه في الدنيا وعملوا لخلوصهم من عقابه في ذلك { ورضوا عنه } لأنهم بحسن يقينهم يرتاحون إلى امتثال ما يأمر به في الدنيا ، فهم راضون عنه ، ثم إذا ذهبوا إلى نعيم الآخرة وجدوا من فضل الله ما لا محل للسخط معه ، فهم راضون عن الله في كل حال . أفاده الإمام .

{ ذلك } أي هذا الجزاء الحسن ، وهذا الرضا { لمن خشي ربه } أي خاف الله في الدنيا في سره وعلانيته ، فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، فإن الخشية ملاك السعادة الحقيقة .

قال الإمام : أراد بهذه الكلمة الرفيعة الاحتياط لدفع سوء الفهم[ . . . . . . . . . . . . . . . . ] {[7530]} فيه العامة من الناس بل الخاصة كذلك ، وهو أن مجرد الاعتقاد بالوراثة وتقليد الأبوين ومعرفة ظواهر بعض الأحكام وأداء بعض العبادات كحركات الصلاة وإمساك الصوم مجرد هذا لا يكفي في نيل ما أعد الله من الجزاء للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وإن كانت قلوبهم حشوها الحسد والحقد والكبرياء والرياء ، وأفاوههم ملؤها الكذب والنميمة والافتراء ، وتهز أعطافهم رياح العجب والخيلاء ، وسرائرهم مسكن العبودية والرق للأمراء ؛ بل ولمن دون الأمراء ، خالية من أقل مراتب الخشوع والإخلاص لرب الأرض والسماء ، كلا لا ينالون حسن الجزاء ، فإن خشية ربهم لم تحل قلوبهم ، ولهذا لم تهذب من نفوسهم ، ولا يكون ذلك الجزاء إلا لمن خشي ربه ، وأشعر خوفه قلبه . والله أعلم .


[7530]:غير واضح في الأصل.