لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ} (8)

{ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه } قيل : الرّضا ينقسم إلى قسمين : رضا به ورضا عنه ، فالرضا به أن يكون ربا ومدبراً ، والرّضا عنه فيما يقضي ويدبر . قال السري : إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك ؟ وقيل : رضي الله أعمالهم ، ورضوا عنه بما أعطاهم من الخير والكرامة { ذلك } أي هذا الجزاء والرضا { لمن خشي ربه } أي لمن خاف ربه في الدّنيا ، وانتهى عن المعاصي . ( ق ) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب } قال : وسماني ؟ قال : نعم . فبكى " . وفي رواية البخاري " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، قال الله سماني لك ؟ قال : نعم . قال : وقد ذكرت عند رب العالمين ؟ قال : نعم . قيل : فذرفت عيناه " .

( شرح غريب الحديث ) :

أما بكاء أبي فإنه بكى سروراً ، واستصغاراً لنفسه عن تأهله لهذه النّعمة العظيمة ، وإعطائه تلك المنزلة الكريمة ، والنعمة عليه فيها من وجهين أحدهما : كونه منصوصاً عليه بعينه ، والثاني قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنها منقبة عظيمة لم يشاركه فيها أحد من الصّحابة ، وقيل : إنما بكى خوفاً من تقصيره في شكره هذه النعمة .

ختام السورة:

وأما تخصيص هذه السّورة بالقراءة ، فإنها مع وجازتها جامعة لأصول وقواعد ومهمات عظيمة ، وكان الحال يقتضي الاختصار ، وأما الحكمة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة على أبي فهي أن يتعلم أبي القراءة من ألفاظه صلى الله عليه وسلم ، وضبط أسلوب الوزن المشروع وقدره بخلاف ما سواه من النّعم المستعملة في غيره ، فكانت قراءته على أبي ليتعلم أبي منه ، لا ليتعلم هو من أبي . وقيل : إنما قرأ على أبي ليتعلم غيره التواضع والأدب ، وأن لا يستنكف الشريف وصاحب الرتبة العالية أن يتعلم القرآن ممن هو دونه ، وفيه تنبيه على فضيلة أبي ، والحث عن الأخذ عنه ، وتقديمه في ذلك ، فكان كذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم رأساً وإماما في القراءة وغيرها ، وكان أحد علماء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه .