ومع هذا { إِنْ تَدْعُوهُمْ } لا يسمعوكم لأنهم ما بين جماد وأموات وملائكة مشغولين بطاعة ربهم . { وَلَوْ سَمِعُوا } على وجه الفرض والتقدير { مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ } لأنهم لا يملكون شيئا ، ولا يرضى أكثرهم بعبادة من عبده ، ولهذا قال : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ } أي : يتبرأون منكم ، ويقولون : { سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ }
{ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } أي : لا أحد ينبئك ، أصدق من الله العليم الخبير ، فاجزم بأن هذا الأمر ، الذي نبأ به كأنه رَأْيُ عين ، فلا تشك فيه ولا تمتر . فتضمنت هذه الآيات ، الأدلة والبراهين الساطعة ، الدالة على أنه تعالى المألوه المعبود ، الذي لا يستحق شيئا من العبادة سواه ، وأن عبادة ما سواه باطلة متعلقة بباطل ، لا تفيد عابده شيئا .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } .
قوله : إنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا ما اسْتَجابُوا لَكُمْ يقول تعالى ذكره : إن تدعوا أيها الناس هؤلاء الاَلهة التي تعبدونها من دون الله لا يسمعوا دعاءكم ، لأنها جماد لا تفهم عنكم ما تقولون وَلَوْ سَمِعُوا ما اسْتَجابُوا لَكُمْ يقول : ولو سمعوا دعاءكم إياهم ، وفهموا عنكم أنها قولكم ، بأن جُعل لهم سمع يسمعون به ، ما استجابوا لكم ، لأنها ليست ناطقة ، وليس كلّ سامع قولاً متيسّرا له الجواب عنه . يقول تعالى ذكره للمشركين به الاَلهة والأوثان : فكيف تعبدون من دون الله من هذه صفته ، وهو لا نفع لكم عنده ، ولا قُدرة له على ضرّكم ، وتَدَعون عبادة الذي بيده نفعكم وضرّكم ، وهو الذي خلقكم وأنعم عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا ما اسْتَجابُوا لَكُمْ أي ما قَبِلوا ذلك عنكم ، ولا نفعوكم فيه .
وقوله : وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ يقول تعالى ذكره للمشركين من عبدة الأوثان : ويوم القيامة تتبرأ آلهتكم التي تعبدونها من دون الله من أن تكون كانت لله شريكا في الدنيا ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيَوْمَ القِيامَةِ يكْفُرُونَ بشِرْكِكمْ إياهم ، ولا يرضَوْن ، ولا يُقِرّون به .
وقوله : وَلا يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ يقول تعالى ذكره : ولا يخبرك يا محمد عن آلهة هؤلاء المشركين وما يكون من أمرها وأمر عَبَدَتها يوم القيامة ، من تَبَرّئها منهم ، وكفرها بهم ، مثل ذي خبرة بأمرها وأمرهم وذلك الخبير هو الله الذي لا يخفى عليه شيء كان أو يكون سبحانه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلا يُنَبّئُكَ مثْلُ خَبِير والله هو الخبير أنه سيكون هذا منهم يوم القيامة .
{ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم } لأنهم جماد { ولو سمعوا } على سبيل الفرض . { ما استجابوا لكم } لعدم قدرتهم على الإنفاع ، أو لتبرئهم منكم مما تدعون لهم . { ويوم القيامة يكفرون بشرككم } بإشراككم لهم يقرون ببطلانه أو يقولون { ما كنتم إيانا تعبدون } { ولا ينبئك مثل خبير } ولا يخبرك بالأمر مخبر { مثل خبير } به أخبرك وهو الله سبحانه وتعالى ، فإنه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين . والمراد تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم .
ثم بين تعالى أمر الأصنام بثلاثة أشياء كلها تعطي بطلانها ، : أولها أنها لاتسمع إن دعيت ، والثاني أنها لا تجيب أن لو سمعت وإنما جاء بهذه لأن لقائل متعسف أن يقول عساها تسمع ، والثالث أنها تتبرأ يوم القيامة من الكفار ، ويكفرون بشركهم أي بأن جعلوهم شركاء لله فأضاف الشرك إليهم من حيث هم قرروه ، فهو مصدر مضاف إلى الفاعل ، وقوله { يكفرون } يحتمل ان يكون بكلام ، وعبارة يقدر الله الأصنام عليها ويخلق لها إدراكاً يقتضيها ، ويحتمل أن يكون بما يظهر هناك من جمودها وبطولها عند حركة كل ناطق ومدافعة كل محتج فيجيء هذا على طريق التجوز كما قال ذو الرمة : [ الطويل ]
وقفت على ربع لمية ناطق . . . يخاطبني آثاره وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه . . . تكلمني أحجاره وملاعبه{[9706]}
وهذا كثير ، وقوله { ولا ينبئك مثل خبير } قال المفسرون قتادة وغيره «الخبير » هنا أراد به تعالى نفسه فهو الخبير الصادق الخبر نبأ بهذا فلا شك في وقوعه ، ويحتمل أن يكون قوله { ولا ينبئك مثل خبير } من تمام ذكر الأصنام ، كأنه قال : ولا يخبرك مثل من يخبر عن نفسه أي لا أصدق في تبريها من شرككم منها فيريد بالخبير على هذا المثل له ، كأنه قال { ولا ينبئك مثل خبير } عن نفسه وهي قد أخبرت عن نفسها بالكفر بهؤلاء .