البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ} (14)

{ لا يسمعوا دعاءكم } ، لأنهم جماد ؛ { ولو سمعوا } ، هذا على سبيل الفرض ؛ { ما استجابوا لكم } ، لأنهم لا يدعون لهم من الإلهية ، يتبرؤون منها .

وقيل : ما نفعوكم ، وأضاف المصدر : في شرككم ، أي بإشراككم لهم مع الله في عبادتكم إياهم كقوله : { ما كنتم إيانا تعبدون } فهي إضافة إلى الفاعل .

وقوله : { يكفرون } ، يحتمل أن يكون بما يظهر هنالك من جمودها وبطئها عند حركة ناطق ، ومدافعة كل محتج ، فيجيء هذا على طريق التجوز ، كقول ذي الرمة :

وقفت على ربع لمية ناطق *** تخاطبني آثاره وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثه *** تكلمني أحجاره وملاعبه

{ ولا ينبئك مثل خبير } ، قال قتادة وغيره من المفسرين : الخبير هنا أراد به تعالى نفسه ، فهو الخبير الصادق الخبر ، نبأ بهذا ، فلا شك في وقوعه .

قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون قوله : { ولا ينبئك مثل خبير } من تمام ذكر الأصنام ، كأنه قال : فلا يخبرك مثل من يخبرك عن نفسه ، أي لا يصدق في تبرئها من شرككم منها ، فيريد بالخبير على هذا المثل لهما ، كأنه قال : ولا ينبئك مثل خبير عن نفسه ، وهي قد أخبرت عن نفسها بالكفر بهؤلاء .

وقال الزمخشري : لا يخبرك بالأمر مخبر ، هو مثل خبير عالم به ، يريد أن الخبير بالأمر هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به .

والمعنى : أن هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق ، لأني خبير بما أخبر به .

وقال في التجريد : يحتمل وجهين : أن يكون ذلك خطاباً للرسول لما أخبر بأن الخشب والحجر يوم القيامة ينطق ويكذب عابده ، وهو أمر لا يعلم بالعقل المجرد لولا إخبار الله عنه ، قال تعالى : { إنهم بربهم يكفرون } ، أي يكفرون بهم يوم القيامة ، وهذا القول مع كون المخبر عنه أمراً عجيباً هو كما قال ، لأن المخبر عنه خبير .

والثاني : أن يكون خطاباً ليس مختصاً بأحد ، أي هذا الذي ذكر هو كما ذكر ، لا ينبئك أيها السامع كائناً من كنت مثل خبير .