35- يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب ، فلا تقدران على دفع هذا العذاب{[215]} .
قوله تعالى : { يرسل عليكما شواظ من نار } قرأ ابن كثير : بكسر الشين والآخرون بضمها ، وهما لغتان ، مثل : صوار من البقر وصوار . وهو اللهيب الذي لا دخان فيه هذا قول أكثر المفسرين . وقال مجاهد : هو اللهب الأخضر المنقطع من النار ، { ونحاس } قرأ ابن كثير وأبو عمرو " ونحاس " بجر السين عطفاً على النار ، وقرأ الباقون برفعهما عطفاً على " الشواظ " . قال سعيد بن جبير والكلبي : النحاس : الدخان وهو رواية عطاء عن ابن عباس . ومعنى الرفع يرفع يرسل عليكما شواظ ، ويرسل النحاس ، هذا مرة وهذا مرة ، ويجوز أن يرسل معاً من غير أن يمتزج أحدهما بالآخر ، ومن جر بالعطف إلى النار يكون ضعيفاً لأنه لا يكون شواظ من نحاس ، فيجوز أن يكون تقديره : شواظ من نار وشيء من نحاس ، على أنه حكي أن الشواظ لا يكون إلا من النار والدخان جميعاً . قال مجاهد وقتادة : النحاس هو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس . وقال عبد الله بن مسعود : النحاس هو المهل . { فلا تنتصران } أي فلا تمتنعان من عذاب الله ولا يكون لكم ناصر منه .
{ 35-36 } { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }
ثم ذكر ما أعد لهم في ذلك الموقف العظيم{[953]} فقال : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شواظ من نار [ ونحاس فلا تنصران فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي : يرسل عليكما ] لهب صاف من النار .
{ ونحاس } وهو اللهب ، الذي قد خالطه الدخان ، والمعنى أن هذين الأمرين الفظيعين يرسلان عليكما يا معشر الجن والإنس ، ويحيطان بكما فلا تنتصران ، لا بناصر من أنفسكم ، ولا بأحد ينصركم من دون الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * فَإِذَا انشَقّتِ السّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدّهَانِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } . يقول تعالى ذكره : يُرْسَلُ عَليكُمَا أيها الثقلان يوم القيامة شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وهو لهبها من حيث تشتعل وتؤجّج بغير دخان كان فيه ومنه قول رُؤْبة بن العجّاج :
إنّ لَهُمْ مِنْ وَقْعِنا أقْياظا *** ونارُ حَرْب تُسْعِرُ الشّوَاظا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : شُوَاظٌ مِنْ نارٍ يقول : لَهَب النار .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ يقول : لهب النار .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال : لهب النار .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد الزّبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال : اللهب المتقطع .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال : الشّواظ : الأخضر المتقطع من النار .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال الشّواظ : هذا اللهب الأخضر المتقطع من النار .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، في قوله : يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال : الشواظ : اللهب الأخضر المتقطع من النار .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الضحاك : الشّوَاظُ : اللهب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ : أي لهب من نار .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال : لهب من نار .
وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال : الشواظ : اللهب ، وأما النحاس فالله أعلم بما أراد به .
وقال آخرون : الشّواظ : هو الدخان الذي يخرج من اللهب .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله شُوَاظٌ مِنْ نارٍ الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : شُوَاظٌ ، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة ، غير ابن أبي إسحاق شُوَاظٌ بضم الشين ، وقرأ ذلك ابن أبي إسحاق ، وعبد الله بن كثير «شِوَاظٌ مِنْ نارٍ » بكسر الشين ، وهما لغتان ، مثل الصِوار من البقر ، والصّوار بكسر الصاد وضمها . وأعجب القراءتين إليّ ضمّ الشين ، لأنها اللغة المعروفة ، وهي مع ذلك قراءة القرّاء من أهل الأمصار .
وأما قوله : ونُحاسٌ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم : عُنِي به الدخان . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا موسى بن عمير ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله : ونُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ قال : النحاس : الدخان .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ونُحاسٌ دخان النار .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، قوله : ونُحاسٌ قال : دخان .
وقال آخرون : عني بالنحاس في هذا الموضع : الصّفر . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، ونُحاسٌ قال : النحاس : الصفر يعذّبون به .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ونُحاسٌ قال : يذاب الصفر من فوق رؤوسهم .
قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ونُحاسٌ قال : يذاب الصفر فيصبّ على رأسه .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ونُحاسٌ يذاب الصفر فيصبّ على رؤوسهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ونُحاسٌ قال : توعدهما بالصّفر كما تسمعون أن يعذّبهما به .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ ونُحاسٌ قال : يخوّفهم بالنار وبالنحاس .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عُنِي بالنحاس : الدخان ، وذلك أنه جلّ ثناؤه ذكر أنه يرسل على هذين الحيّين شواظ من نار ، وهو النار المحضة التي لا يخلطها دخان . والذي هو أولى بالكلام أنه توعدهم بنار هذه صفتها أن يُتبع ذلك الوعد بما هو خلافها من نوعها من العذاب دون ما هو من غير جنسها ، وذلك هو الدخان ، والعرب تسمي الدخان نُحاسا بضم النون ، ونِحاسا بكسرها ، والقرّاء مجمعة على ضمها ، ومن النّحاس بمعنى الدخان ، قول نابغة بني ذُبيان :
يَضُوءُ كَضَوْء سِرَاج السّلي *** طِ لمْ يجْعَل اللّهُ فيهِ نُحاسا
وقوله : فَلا تَنْتَصِرَانِ يقول تعالى ذكره : فلاتنتصران أيها الجن والإنس منه إذا هو عاقبكما هذه العقوبة ، ولا تُستنقذان منه . كما :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَلا تَنْتَصِرَانِ قال : يعني الجنّ والإنس .