المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{الٓمٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية إلا ثماني آيات من رقم 163 إلى رقم 170 ، وعدد آياتها 206 .

وأول هذه السورة فيه امتداد لآخر سورة الأنعام ، وقد اشتملت من بعد ذلك على بدء الخليقة الإنسانية ، فذكرت قصة خلق آدم وحواء ، وخروجهما من الجنة بوسوسة الشيطان ، وبيان شيء من الوسوسة المستمرة للإنسان في اللباس والطعام . ثم تعرضت آيات هذه السورة الكريمة كغيرها من سورة القرآن إلى النظر في السماوات والأرض وما فيهما من نظام بديع .

كما تعرضت بعد ذلك لقصص النيين : نوح ، هود مع قومه عاد ، ثم لقصة صالح مع قومه ثمود الذين كانوا يتسمون بالقوة وأعطوا الثروة ، ولقصة لوط مع قومه ، وذكر ما كانوا يجرءون عليه من منكرات ، ولقصة شعيب مع أهل مدين وتضمنت بعد ذلك القصص الصادق بما فيه من عبر وعظات ، وقد ساق سبحانه وتعالى بعد ذلك قصة موسى ، وما كان من أمر فرعون .

وختمت السورة بتصوير من يعطي الهداية ثم ينسلخ منها بتضليل الشيطان ، وما يكون منه ، ثم بيان الدعوة إلى الحق التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم .

1- المص ، هذه الحروف الصوتية تذكر في أوائل بعض السور المكية ، لتنبيه المشركين إلى أن القرآن الكريم مكون من الحروف التي ينطقون بها ، ومع ذلك يعجزون عن الإتيان بمثله ، كما أن في هذه الحروف إذا تليت حملا لهم على السماع إذا تواصوا بألا يسمعوا القرآن .

     
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{الٓمٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأعراف

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين .

وبعد : فهذا تفسير تحليلي لسورة الأعراف ، توخينا فيه أن نبرز ما اشتملت عليه السورة الكريمة من توجيهات سامية ، وآداب عالية ، وهدايات شاملة ، وحكم جليلة .

والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه ، ونافعاً لعباده إنه أكرم مسئول وأعظم مأمول .

[ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ] .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

د . محمد سيد طنطاوي .

القاهرة – مدينة نصر .

14/02/1405ه - 7/12/1984م .

تمهيد بين يدي السورة

1- سورة الأعراف هي السورة السابعة في الترتيب المصحفي ، وهي أطول سورة مكية في القرآن الكريم ، وعدد آياتها ست ومائتا آية .

والرأي الراجح عند العلماء أنها جميعها مكية ، وقيل إن الآيات من 163-170 مدنية ، وكان نزولها بعد سورة " ص " .

2- ومناسبتها لسورة الأنعام التي قبلها أن سورة الأعراف تعتبر كالتفصيل لها ، فإن سورة الأنعام قد تكلمت عن أصول العقائد وكليات الدين كلاما إجمالياً ، ثم جاءت سورة الأعراف فكانت كالشرح والتفصيل لذلك الإجمال ، خصوصاً فيما يتعلق بقصص الأنبياء مع أقوامهم وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم .

3- مقاصدها ومميزاتها : وقد اشتملت سورة الأعراف على المقاصد الإجمالية التي اشتملت عليها السور المكية ، كإقامة الأدلة على وحدانية الله ، وعلى صدق محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أن يوم القيامة حق . . . إلخ .

والذي يتأمل هذه السورة الكريمة يراها تهتم بعرض الحقائق في أسلوبين بارزين فيها ، أحدهما أسلوب التذكير بالنعم ، والآخر أسلوب التخويف من العذاب والنقم .

أما أسلوب التذكير بالنعم فتراه واضحا في لفتها لأنظار الناس إلى ما يلمسونه ويحسونه من نعمة تمكينهم في الأرض ، ونعمة خلقهم وتصويرهم في أحسن تقويم ، ونعمة تمتع الإنسان بما في هذا الكون من خيرات سخرها الله له .

وأما أسلوب التخويف بالعذاب فالسورة الكريمة زاخرة به ، نلمس ذلك في قصص نوح ، وهود ، وصالح . ولوط ، وشعيب ، وموسى –عليهم السلام- مع أقوامهم .

وقد استغرق هذا القصص أكثر من نصفها ، وقد ساقت لنا السورة الكريمة ما دار بين الأنبياء وبين أقوامهم ، وما آل إليه أمر أولئك الأقوام الذين لم يستجيبوا لنصائح المرسلين إليهم .

4- عرض إجمالي لها : ونحن عندما نستعرض سورة الأعراف نراها في الربع الأول منها تطالعنا بالحديث عن عظمة القرآن وتأمرنا باتباعه ، وتحذرنا من مخالفته ، وتحثنا على المسارعة إلى العمل الصالح الذي تثقل به موازيننا يوم القيامة .

قال تعالى : [ كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين* اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ] .

ثم ساقت لنا بأسلوب منطقي بليغ قصة آدم مع إبليس ، وكيف أن إبليس قد خدعه بأن أغراه بالأكل من الشجرة المحرمة ، فلما أكل منها هو وزوجته .

[ بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ] .

ثم وجهت إلى بني آدم نداء في أواخر هذا الربع نهتهم فيه عن الاستجابة لوسوسة الشيطان .

قال تعالى : [ يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما ، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ] .

وفي الربع الثاني منها نراها تأمرنا بأن نأخذ زينتنا عند كل مسجد ، وتخبرنا بأن الله –تعالى- ، قد أباح لنا أن نتمتع بالطيبات التي أحلها لنا ، وتبشرنا بحسن العاقبة متى اتبعنا الرسل الذين أرسلهم الله لهدايتنا ، ثم تسوق لنا في بضع آيات عاقبة المكذبين لرسل الله ، وكيف أن كل أمة من أمم الكفر عندما تقف بين يدي الله للحساب تلعن أختها .

قال تعالى : [ كلما دخلت أمة لعنت أختها ، حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار ، قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون* وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ] .

ثم تبين السورة بعد ذلك عاقبة المؤمنين فتقول : [ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ] .

وفي أواخر هذا الربع وفي أوائل الربع الثالث منها نراها تسوق لنا تلك المحاورات التي تدور بين أصحاب الجنة وأصحاب النار ، وتحكي لنا ما يحصل بينهم من نداءات ومجادلات ، تنتهي بأن يقول أصحاب النار لأصحاب الجنة على سبيل التذلل والتوسل : [ أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ] .

فيجيبهم أصحاب الجنة : [ إن الله حرمهما على الكافرين . الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا ] .

ثم تسوق لنا السورة بعد ذلك جانبا من مظاهر نعم الله على خلقه ، وتدعونا إلى شكره عليها لكي يزيدنا من فضله .

وفي الربع الرابع منها وكذلك في أواخر الثالث ، تحدثنا السورة الكريمة عن قصة نوح مع قومه ، ثم عن قصة هود مع قومه ، ثم عن قصة صالح مع قومه ، ثم عن قصة لوط مع قومه ، ثم عن قصة شعيب مع قومه . ولقد ساقت لنا خلال حديثها عن هؤلاء الأنبياء مع أقوامهم من العبر والعظات ما يهدي القلوب ، ويشفي الصدور ويحمل العقلاء على الاستجابة لهدي الأنبياء والمرسلين .

أما في الربع الخامس منها فقد بينت لنا سنن الله في خلقه ، ومن مظاهر هذه –السنن أنه –سبحانه- لا يعاقب قوما إلا بعد الابتلاء والاختبار ، وأن الناس لو آمنوا لفتح –سبحانه- عليهم بركات من السماء والأرض وأن الذين يأمنون مكر خالقهم هم القوم الخاسرون .

قال تعالى : [ تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ، كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين* وما وجدنا لأكثرهم من عهد ، وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ] .

ثم عقب على ذلك ببيان أن الله –تعالى- قد ساق قصص السابقين للعظة والاعتبار .

ثم أسهبت السورة في الحديث عن قصة موسى –عليه السلام- فقصت علينا في زهاء سبعين آية –استغرقت الربع السادس والسابع والثامن- ما دار بينه وبين فرعون من محاورات ومناقشات ، وما حصل بينه وبين السحرة من مجادلات ومساجلات انتهت بأن قال السحرة : [ آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ] .

ثم حكت لنا ما لقيه موسى من قومه بني إسرائيل من تكذيب وجهالات ، مما يدل على أصالتهم في التمرد والعصيان ، وعراقتهم في الكفر والطغيان .

وفي الربع التاسع منها حدثتنا عن العهد الذي أخذه الله على البشر بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، ثم حضتنا على التفكر والتدبر في ملكوت السموات والأرض ، وبينت لنا أن موعد قيام الساعة لا يعلمه سوى علام الغيوب ، وأن الرسل الكرام وظيفتهم تبليغ رسالات الله ، ثم هم بعد ذلك لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً .

أما في الربع العاشر والأخير فقد اهتمت السورة الكريمة بإقامة الأدلة على وحدانية الله ، ووبخت المشركين على شركهم ، ودعت الناس إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم [ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ] وأمرتهم بأن يكثروا من التضرع والدعاء .

[ واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين* إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ] .

وبعد : فهذا عرض سريع لما اشتملت عليه سورة الأعراف من توجيهات حكيمة ، وآداب عالية ، وعظات سامية ، ولعلنا بذلك نكون قد أعطينا القارئ الكريم فكرة مجملة عنها قبل أن نفسرها تفسيراً تحليلياً مفصلا . والله نسأل أن يلهمنا جميعاً الرشد والسداد فيما نقول ونعمل .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

سورة الأعراف من السور التي ابتدأت ببعض حروف التهجى " ألمص " ولم يسبقها في النزول من هذا النوع من السور سوى ثلاثة وهى سور : ( ن ، ق ، ص ) ويبلغ عدد السور القرآنية التي ابتدئت بالحروف المقطعة تسعاً وعشرين سورة .

هذا ، وقد وقع خلاف بين العلماء في المعنى المقصود من حروف التهجى التي افتتحت بها بعض السور القرآنية ، ويمكن إجمال اختلافهم في رأيين :

الرأى الأول : أن المعنى المقصود منها غير معروف ، فهى من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه وإلى هذا الرأى ذهب ابن عباس - في إحدى الروايات عنه - كما ذهب إليه الشعبى ، وسفيان الثورى ، وغيرهما من العلماء ؛ فقد أخرج ابن المنذر وغيره عن الشعبى أنه سئل عن فواتح السور فقال : " إن لكل كتاب سرّا ، وإن سر هذا القرآن فواتح السور " وروى عن ابن عباس أنه قال : " عجزت العلماء عن إدراكها " وعن على - رضى الله عنه - أنه قال : " إن لكل كتاب صفوة ، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجى " وفى رواية أخرى للشعبى أنه قال : " سر الله فلا تطلبوه " .

ومن الاعتراضات التي وجهت إلى هذا الرأى أنه إذا كان الخطاب بهذه الفواتح غير مفهوم للناس لأنه من المتشابه فإنه يترتب على ذلك أنه كالخطاب بالمهمل ، أو مثل ذلك كمثل التكلم بلغة أعجمية مع أناس عرب لا يفهمونها .

وقد أجيب عن ذلك بأن هذه الألفاظ لم ينتف الإفهام عنها عند لك الناس فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يفهم المراد منها ، وكذلك بعض أصحابه المقربين . ولكن الذي ننفيه أن يكون الناس جميعاً فاهمين لمعنى هذه الحروف المقطعة في أوائل بعض السور . وهناك مناقشات للعلماء حول هذا الرأى لا مجال لذكرها هنا .

أما الرأى الثانى : فيرى أصحابه أن المعنى المقصود منها معلوم ، وأنها ليست من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه ، وأصحاب هذا الرأى قد اختلفوا فيما بينهم في تعيين هذا المعنى المقصود على أقوال كثيرة من أهمها ما يأتى :

1 - أن هذه الحروف أسماء للسور ، بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حم السجدة ، حفظ إلى أن يصبح " ، وبدليل اشتهار بعض السور بالتسمية بها ، كسورة " ص " وسورة " يس " إلخ .

ولا يخلو هذا القول من الضعف ، لأن كثيرا من السور قد افتتحت بلفظ واحد من هذه الفواتح ، فلو كانت أسماء للسور لم تتكر لمعان مختلفة ؛ لأن الغرض من التسمية رفع الاشتباه . وأيضا فالتسمية بها أمر عارض لا يتنافى مع المراد منها في ذاتها .

2 - وقيل إن هذه الحروف قد جاءت هكذا فاصلة للدلالة على انقضاء سورة وابتداء أخرى .

3 - وقيل إنها حروف مقطعة بعضها من أسماء الله تعالى ، وبعضها من صفاته ، فمثلا : " ألم " أصلها أنا الله أعلم .

4 - وقيل إنها اسم الله الأعظم ، إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تخلو من مقال ، والتى أوصلها الإمام السيوطى في كتابه " الإتقان " ، إلى أكثر من عشرين قولا .

5 - ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن هذه الحروف المقطعة قد وردت في بعض سور القرآن على سبيل الإيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن ، فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك العارضين في أن القرآن من عند الله : هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو جنس ما تؤلفون منه كلامكم . ومنوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التي تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم في شك من كونه منزلا من عند الله فهاتوا مثله ، أو ادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونوكم في ذلك .

ومما يشهد بصحة هذا الرأى أن الآيات التي تلى هذه الأحرف المقطعة تتحدث عن الكتاب المنزل معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم وكثيراً ما تبدأ هذه الآيات باسم الإشارة صراحة ، مثل قوله تعالى : { الاما ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ } أو ضمنا مثل قوله - تعالى - : في أول سورة الأعراف { الاماصا كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ } وأيضا فإن هذه السور تجعل هدفها الأول منذ بدئها إلى نهايتها اثبات الرسالة عن طريق هذا الكتاب المنزل .

هذه خلاصة موجزة لآراء العلماء في الحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض السور القرآنية ، ومن أراد مزيدا لذلك فليردع - مثلا - إلى كتاب " البرهان " للزركشى ، وإلى كتاب " الإتقان " للسيوطى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{الٓمٓصٓ} (1)

قد تقدم الكلام في أول " سورة البقرة " على ما يتعلق بالحروف وبسطه ، واختلاف الناس فيه .

وقال ابن جرير : حدثنا سفيان بن وَكِيع ، حدثنا أبي ، عن شَرِيك ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضُّحَى ، عن ابن عباس : { المص } أنا الله أفصل وكذا قال سعيد بن جُبَير .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{الٓمٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

هذا هو الاسم الذي عرفت به هذه السورة ، من عهد النبي صلى الله عليه وسلم . أخرج النسائي ، من حديث أبي مليكة ، عن عروة بن زيد ابن ثابت : أنه قال لمروان به الحكم : ما لي أراك تقرأ في المغرب بقصار السور وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين . قال مروان قلت : يا أبا عبد الله ما أطول الطوليين ، قال : الأعراف . وكذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بطولا الطوليين . والمراد بالطوليين سورة الأعراف وسورة الأنعام فإن سورة الأعراف أطول من سورة الأنعام ، باعتبار عدد الآيات . ويفسر ذلك حديث عائشة رضي الله عنها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين .

ووجه تسميتها أنها ذكر في لفظ الأعراف بقوله تعالى { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال } الآية . ولم يذكر في غيرها من سور القرآن ، ولأنها ذكر فيها شأن أهل الأعراف في الآخرة ، ولم يذكر في غيرها من السور بهذا اللفظ ، ولكنه ذكر بلفظ { سور } في قوله : { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } في سورة الحديد .

وربما تدعى بأسماء الحروف المقطعة التي في أولها وهي : { ألف_لام_ميم_صاد } أخرج النسائي من حديث أبي الأسود ، عن عروة ، عن زيد بن ثابت : أنه قال لمروان : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بأطول الطوليين : { ألف ، لام ، ميم ، صاد } . وهو يجيء على القول بأن الحروف المقطعة التي في أوائل بعض السور هي أسماء للسور الواقعة فيها ، وهو ضعيف ، فلا يكون { ألمص } اسما للسورة ، وإطلاقه عليها إنما هو على تقدير التعريف بالإضافة إلى السورة ذات ألمص ، وكذلك سماها الشيخ ابن أبي زيد في الرسالة في باب سجود القرآن ولم يعدوا هذه السورة في السور ذات في الأسماء المتعددة . وأما ما في حديث زيد من أنها طولا الطوليين فعلى إرادة الوصف دون التلقيب . وذكر فيروزأبادي في بصائر ذوي التمييز أن هذه السورة تسمى سورة الميقات لاشتمالها على ذكر ميقات موسى في قوله : { ولما جاء موسى لميقاتنا } . وأنها تسمى سورة الميثاق لاشتمالها على حديث الميثاق في قوله : { الست بربك قالوا بلى }{[1]} .

وهي مكية بلا خلاف . ثم قيل جميعها مكي ، وهو ظاهر رواية مجاهد وعطاء الخراساني عن ابن عباس ، وكذلك نقل عن ابن الزبير ، وقيل نزل بعضها في المدينة ، قال قتادة آية : { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } نزلت بالمدينة ، وقال مقاتل من قوله : { واسألهم عن القرية } إلى قوله { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } نزلت بالمدينة ، فإذا صح هذا احتمل أن تكون السورة بمكة ثم ألحق بها الآيتان المذكورتان ، واحتمل أنها نزلت بمكة وأكمل منها بقيتها تانك الآيتان .

ولم أقف على ما يضبط به تاريخ نزولها ، وعن جابر بن زيد أنها نزلت بعد سورة ( ص ) و قبل سورة { قل أوحي } ، وظاهر حديث ابن عباس في صحيح البخاري أن سورة { قل أوحي } أنزلت في أول الإسلام حين ظهور دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك في أيام الحج ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوجه بأصحابه إلى سوق عكاظ ، فلعل ذلك في السنة الثانية من البعثة ، ولا أحسب أن سورة الأعراف قد نزلت في تلك المدة لأن السور الطوال يظهر أنها لم تنزل في أول البعثة .

ولم أقف على هاتين التسميتين في كلام غيره وهي من السبع الطوال التي جعلت في أول القرآن لطولها وهي سور : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، وبراءة وقدم المدني منها وهي سور : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ؛ ثم ذكر المكي وهو : الأنعام ، والأعراف على ترتيب المصحف العثماني اعتبارا بأن سورة الأنعام أنزلت بمكة بعد سورة الأعراف فهي أقرب إلى المدني من السور الطوال .

وهي معدودة التاسعة والثلاثين في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد عن ابن عباس ، نزلت بعد سورة ص وقبل سورة الجن ، كما تقدم ، قالوا جعلها ابن مسعود في مصحفه عقب سورة البقرة وجعل بعد ها سورة النساء, ثم آل عمران ، ووقع في مصحف أبي بعد آل عمران الأنعامُ ثم الأعراف . وسورة النساء هي التي تلي سورة البقرة في الطول وسورة الأعراف تلي سورة النساء في الطول .

وعد آي سورة الأعراف مائتان وست آيات في عد أهل المدينة والكوفة ، ومائتان وخمس في عد أهل الشام والبصرة ، قال في الإتقان قيل مائتان وسبع .

أغراضها

افتتحت هذه السورة بالتنويه بالقرآن والوعد بتيسيره على النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغه وكان افتتاحها كلاما جامعا وهو مناسب لما اشتملت عليه السورة من المقاصد فهو افتتاح وارد على أحسن وجوه البيان وأكملها شأن سور القرآن .

وتدور مقاصد هذه السورة على محور مقاصد ؛ منها : النهي عن اتخاذ الشركاء من دون الله .

وإنذار المشركين عن سوء عاقبة الشرك في الدنيا والآخرة .

ووصف ما حل بالمشركين والذين كذبوا الرسل : من سوء العذاب في الدنيا ، وما سيحل بهم في الآخرة .

تذكير الناس بنعمة خلق الأرض ، وتمكين النوع الإنساني من خيرات الأرض ، وبنعمة الله على هذا النوع بخلق أصله وتفضيله .

وما نشأ من عداوة جنس الشيطان لنوع الإنسان .

وتحذير الناس من التلبس ببقايا مكر الشيطان من تسويله إياهم حرمان أنفسهم الطيبات ، ومن الوقوع فيما يزج بهم في العذاب في الآخرة .

ووصف أهوال يوم الجزاء للمجرمين وكراماته للمتقين .

والتذكير بالبعث وتقريب دليله .

والنهي عن الفساد في الأرض التي أصلحها الله لفائدة الإنسان .

والتذكير ببديع ما أوجده الله صلاحها وإحيائها .

والتذكير بما أودع الله في فطرة الإنسان من وقت تكوين أصله أن يقبلوا دعوة رسل الله إلى التقوى والإصلاح .

وأفاض في أحوال الرسل مع أقوامهم المشركين ، ومما لاقوه من عنادهم وأذاهم ، وأنذر بعدم الاغترار بإمهال الله الناس قبل أن ينزل بهم العذاب ، وإعذارا لهم ان يقلعوا عن كفرهم وعنادهم ، فإن العذاب يأتيهم بغتة بعد ذلك الإمهال .

وأطال القول في قصة موسى عليه السلام مع فرعون ، وفي تصرفات بني إسرائيل مع موسى عليه السلام .

وتخلل قصته بشارة الله ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وصفة أمته وفضل دينه .

ثم تخلص إلى موعظة المشركين كيف بدلوا الحنيفية وتقلدوا الشرك ، وضرب لهم مثلا بمن آتاه الله الآيات فوسوس له الشيطان فانسلخ عن الهدى .

ووصف حال أهل الضلالة ووصف تكذيبهم بما جاء به الرسول ووصف آلهتهم بما ينافي الإلهية وأن لله الصفات الحسنى صفات الكمال .

ثم أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام والمسلمين بسعة الصدر والمداومة على الدعوة وحذرهم من مداخل الشيطان بمراقبة الله بذكره سرا وجهرا والإقبال على عبادته .

هذه الحروف الأربعة المقطّعة التي افتتحت بها هاته السّورة ، يُنطَق بأسمائها ( ألِفْ لاَمْ مِيمْ صَادْ ) كما يَنْطِق بالحروف ملقِّن المتعلّمين للهجاء في المكتب ، لأنّ المقصود بها أسماء الحروف لا مسميّاتها وأشكالها ، كما أنّك إذا أخبرت عن أحد بخبر تذكر اسم المخبر عنه دون أن تَعْرِض صورته أو ذاته ، فتقولُ مثلاً : لقيت زيداً ، ولا تقول : لقيت هذه الصورة ، ولا لقيتُ هذه الذات .

فالنّطق بأسماء الحروف هو مقتضَى وقوعها في أوائل السّور التي افتتحت بها ، لقصد التّعريض بتعجيز الذين أنكروا نزول القرآن من عند الله تعالى ، أي تعجيزِ بلغائهم عن معارضته بمثله كما تقدّم في سورة البقرة .

وإنّما رسموها في المصاحف بصور الحروف دون أسمائها ، أي بمسمّيات الحروف التي يُنطق بأسمائها ولم يرسموها بما تُقْرأ به أسماؤُها ، مراعاة لحالة التّهجي ( فيما أحسب ) ، أنّهم لو رسموها بالحروف التي يُنطق بها عند ذكر أسمائها خَشُوا أن يلتبس مجموعُ حروف الأسماءِ بكلمات مثل ( يَاسين ) ، لو رسمت بأسماء حروفها أن تلتبس بنداء من اسمه سين .

فعدلوا إلى رسم الحروف علماً بأنّ القارىء في المصحف إذا وجد صورة الحرف نَطق باسم تلك الصّورة . على معتادهم في التّهجي طرداً للرسم على وتيرة واحدة .

على أنّ رسم المصحف سنّة سنّها كُتاب المصاحف فأقِرّت . وإنّما العمدة في النّطق بالقرآن على الرّواية والتّلقي ، وما جُعلت كتابة المصحف إلاّ تذكرة وعوناً للمتلقّي .

وتقدّم هذا في أوّل سورة البقرة وفيما هنا زيادة عليه .


[1]:محمد بن علي البصري الشافعي المعتزلي المتوفى سنة 439هـ له كتاب "المعتمد في أصول الفقه".