روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{الٓمٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأعراف

بسم الله الرحمن الرحيم أخرج أبو الشيخ وابن حبان عن قتادة قال : هي مكية إلا آية { واسألهم عن القرية } وقال غيره : إن هذه إلا { وإذ أخذ ربك } مدني : وأخرج غير واحد عن ابن عباس وابن الزبير أنها مكية ولم يستثنيا شيئا وهي مائتان وخمس آيات في البصري والشامي وست في المدني والكوفي فالمص وبدأكم تعودون كوفي { ومخلصين له الدين } بصري وشامي { وضعفا في النار والحسنى على بني إسرائيل } مدني وكلها محكم وقيل : إلا موضعين الأول { وأملي لهم } فانه نسخ بآية السيف والثاني { خذ العفو } فانه نسخ بها أيضا عند ابن زيد وادعى أيضا أن { وأعرض عن الجاهلين } كذلك وفيما ذكر نظر وسيأتي الكلام فيه إنشاء الله تعالى ومناسبتها لما قبلها على ما قاله الجلال السيوطي عليه الرحمة أن سورة الأنعام لما كانت لبيان الخلق وفيها { هو الذي خلقكم من طين } وقال سبحانه في بيان القرون { كم أهلكنا من قبلهم من قرن } وأشير إلى ذكر المرسلين وتعداد الكثير منهم وكان ما ذكر على وجه الأجمال جيء بهذه السورة بعدها مشتملة على شرحه وتفصيله فبسط فيها قصة آدم وفصلت قصص المرسلين وأممهم وكيفية هلاكهم أكمل تفصيل ويصلح هذا أن يكون تفصيلا لقوله تعالى وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ولهذا صدر السورة بخلق آدم الذي جعله في الأرض خليفة وقال سبحانه في قصة عاد : { جعلناكم خلفاء من بعد قوم نوح } وفي قصة ثمود جعلناكم خلفاء من بعد عاد وأيضا فقد قال سبحانه فيما تقدم : كتب على نفسه الرحمة وهو كلام موجز وبسط سبحانه هنا بقوله تعالى : ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون الخ وأما وجه ارتباط أول هذه السورة بآخر الأولى فهو أنه قد تقدم وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه هذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوهوأفتتح هذا الامر باتباع الكتاب وأيضا لما تقدم ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون قال جل شأنه في مفتتح هذه : فلنسألن الذين أرسل اليهمالخ وذلك في شرح التنبئة المذ : ورة وأيضا لما قال سبحانه من جاء بالحسنة اةية وذلك لا يظهر إلا في الميران افتتح هذه بذكر الوزن فقال عز من قائل : { والوزن يومئذ الحق } ثم من ثقلت موازينه وهو من زادت حسناته على سيآته ثم من خفت وهو على العكس ثم ذكر سبحانه بعد أصحاب الأعراف وهم في أحد الأقوال من استوت حسناتهم وسيآتهم .

{ المص } سبق الكلام في مثله وبيان ما فيه فلا حاجة إلى الإعادة خلا أنه قيل هنا : إن معنى ذلك المصور وروي ذلك عن السدي ، وأخرج البيهقي وغيره عن ابن عباس أن المعنى أنا الله أعلم وأفصل ، واختاره الزجاج وروي عن ابن جبير ، وفي رواية أخرى عن الحبر أنه وكذا نظائره قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسمائه سبحانه . وعن الضحاك أن معناه أنا الله الصادق ، وعن محمد بن كعب القرظي أن الألف واللام من الله والميم من الرحمن والصاد من الصمد ؛ وقيل : المراد به ألم نشرح لك صدرك . وذكر بعضهم أنه ما من سورة افتتحت بألم إلا وهي مشتملة على ثلاثة أمور بدء الخلق والنهاية التي هي المعاد والوسط الذي هو المعاش وإليها الإشارة بالاشتمال على المخارج الثلاثة الحلق واللسان والشفتين ، وزيد في هذه السورة على ذلك الصاد لما فيها مع ما ذكر من شرح القصص وهو كما ترى والله تعالى أعلم بمراده .

( هذا ومن باب الإشارة ) : في الآيات : { المص } [ الأعراف : 1 ] الألف إشارة إلى الذات الأحدية واللام إلى الذات مع صفة العلم والميم إلى معنى محمد وهي حقيقته والصاد إلى صورته عليه الصلاة والسلام . وقد يقال : الألف إشارة إلى التوحيد والميم إلى الملك واللام بينهما واسطة لتكون بينهما رابطة والصاد لكونه حرفاً كري الشكل قابلاً لجميع الأشكال كما قال الشيخ الأكبر قدس سره : فيه إشارة إلى أن الأمر وإن ظهر بالأشكال المختلفة والصور المتعددة أوله وآخره سواء ، ولا يخفى لطف افتتاح هذه السورة بهذه الأحرف بناء على ما ذكره الشيخ قدس سره في «فتوحاته » من أن لكل منها ما عدا الألف الأعراف وأما الألف فقد ذكر نفعنا الله تعالى ببركات علومه أنه ليس من الحروف عند من شم رائحة من الحقائق لكن قد سمته العامة حرفاً فإذا قال المحقق ذلك فإنما هو على سبيل التجوز في العبادة والله تعالى أعلم بحقيقة الحال