{ قُلْ } لهم يا أيها النبي : { إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ } أي : هذه صفتي ووظيفتي ، أني بشر مثلكم ، ليس بيدي من الأمر شيء ، ولا عندي ما تستعجلون به ، وإنما فضلني اللّه عليكم ، وميَّزني ، وخصَّني ، بالوحي الذي أوحاه إليَّ وأمرني باتباعه ، ودعوتكم إليه .
{ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ } أي . اسلكوا الصراط الموصل إلى اللّه تعالى ، بتصديق الخبر الذي أخبر به ، واتباع الأمر ، واجتناب النهي ، هذه حقيقة الاستقامة ، ثم الدوام على ذلك ، وفي قوله : { إِلَيْهِ } تنبيه على الإخلاص ، وأن العامل ينبغي له أن يجعل مقصوده وغايته ، التي يعمل لأجلها ، الوصول إلى اللّه ، وإلى دار كرامته ، فبذلك يكون عمله خالصًا صالحًا نافعًا ، وبفواته ، يكون عمله باطلاً .
ثم لقن الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم الجواب الذى يرد به عليهم فقال : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ } .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاحدين : إنما أنا بشر مثلكم فى الصفات البشرية أوجدنى الله - تعالى - بقدرته كما أوجدكم ، وينتهى نسبى ونسبكم إلى آدم - عليه السلام - إلا أن الله - تعالى - قد اختصنى بوحيه ورسالته - وهو أعلم حيث يجعل رسالته - وأمرنى أن أبلغكم أن إلهكم وخالقكم .
. هو إله واحد لا شريك له ، فعليكم أن تخلصلوا له العبادة والطاعة .
وقوله : { فاستقيموا إِلَيْهِ واستغفروه } أى : فالزموا الاستقامة فى طريقكم إليه - تعالى - بالإِيمان به وطاعته والإخلاص فى عبادته .
وقوله - تعالى - : { . . وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ . الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ } تهديد لهم بسوء المصير إذا استمروا على عنادهم وشركهم .
والويل : لفظ دال على الشر أو الهلاك ، وهو مصدر لافعل له من لفظه ، والمراد به هنا : الدعاء عليهم بالخزى والهلاك .
أى : فهلاك وخزى وعقاب شديد لهؤلاء المشركين ، الذين لا يؤتون الزكاة ، أى : لا يؤمنون بها ، ولا يخرجونها إلى مستحقيها ، ولا يعملون على تطهير أنفسهم بأدائها . . . وفضلا عن كل ذلك فهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب كافرون .
قال ابن كثير : والمراد بالزكاة ها هنا : طهارة النفس من الأخلاق المرذولة . . .
وقال قتادة : يمنعون زكاة أموالهم ، واختاره ابن جرير . .
وفيه نظر ، لأن إيجاب الزكاة إنما كان فى السنة الثانية من الهجرة ، وهذه الآية مكية . اللهم إلا أن يقال : لا يبعد أن يكون أصل الزكاة - وهو الصدقة - كان مأمورا به فى ابتداء البعثة ، كقوله - تعالى - : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها فى المدينة ، ويكون هذا جمعا بين القولين . .
وقال بعض العلماء : قد استدل بعض علماء الأصول بهذه الآية الكريمة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، لأنه - تعالى - صرح فى هذه الآية الكريمة ، بأنهم مشركون ، وأنهم كافرون بالآخرة ، وقد توعدهم - سبحانه - بالويل على كفرهم بالآخرة ، وعدم إيتائهم الزكاة ، سواء أقلنا إن الزكاة فى الآية هى الزكاة المال المعروفة ، أو زكاة الأبدان عن طريق فعل الطاعات ، واجتناب المعاصى .
ورجع بعضهم - أن المراد بالزكاة هنا زكاة الأبدان - لأن السورة مكية وزكاة المال المعروفة إنما فرضت فى السنة الثانية من الهجرة .
وعلى أية حال فالآية تدل على خطاب الكفار بفروع الإِسلام .
أعنى امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وما دلت عليه هذه الآية من أنهم مخاطبون بذلك ، وأنهم يعذبون على الكفر والمعاصى ، جاء موضحا فى آيات أخر كقوله - تعالى - : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين . . } وخص - سبحانه - من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة ، لأن أحب شئ إلى الإِنسان ماله ، وهو شقيق روحه ، فإذا بذله للمتحاجين ، فذلك أقوى دليل على استقامته ، وصدق نيته .
يقول تعالى : { قُلْ } يا محمد لهؤلاء المكذبين المشركين : { إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } لا كما تعبدونه{[25627]} من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين ، إنما الله إله واحد ، { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ } أي : أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل ، { وَاسْتَغْفِرُوهُ } أي : لسالف الذنوب ، { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ } أي : دمار لهم وهلاك عليهم .
{ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } لست ملكا ولا جنيا لا يمكنكم التلقي منه ، ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والأسماع ، وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل ، وقد يدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل . { فاستقيموا إليه } فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه ، أو فاستووا إليه بالتوحيد والإخلاص في العمل . { واستغفروه } مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل ، ثم هددهم على ذلك فقال : { وويل للمشركين } من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله .
وقوله : { قل إنما أنا بشر } قال الحسن : علمه الله تعالى التواضع ، و «إن » في قوله : { إنما } رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله .
وقوله : { فاستقيموا } أي على محجة الهدى وطريق الشرع والتوحيد ، وهذا المعنى مضمن قوله : { إليه } . والويل : الحزن والثبور ، وفسره الطبري وغيره في هذه الآية بقبح أهل النار وما يسيل منهم .