فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ} (6)

{ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين( 6 )الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون( 7 ) } .

أمر الله تعالى نبيه أن ينذرهم بما تقوم به حجة الخالق على خلقه ، فإن المولى العليم لم يرسله مَلَكا ولا جنيا يتعذر عليهم أو يتعسر التلقي عنه ؛ إنما بعثه آدميا مثلهم وأوحى إليه أن المستحق للعبادة معبود واحد .

ولا أدعوكم إلى ما تنبوا عنه العقول ، وإنما أدعوكم إلى التوحيد الذي دلت عليه دلائل العقل وشهدت له شواهد السمع ؛ وهذا جواب عن قولهم : { . . قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر }- فلا تعوجوا عن السبيل الموصلة إلى رضاه { . . إن ربي على صراط مستقيم }{[4141]} . وعهد الله إليكم بالاستقامة والإقامة على التوحيد مخلصين ذلك له ، وبطلب العفو والصفح وستر ما كان من فسوق أو مروق ؛ والهلاك والثبور لمن أشركوا بربهم الواحد القهار ، العزيز الغفار ؛ والعذاب وأسفل دركات العقاب للذين يبخلون ويمنعون ، ويشحون ولا ينفقون{[4142]} ؛ ثم هم في لقاء ربهم يرتابون ويشكّون ، بل هم لأحوال الآخرة منكرون .

[ وقال قتادة : يمنعون زكاة أموالهم ؛ وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين ، واختاره ابن جرير ، وفيه نظر ، لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة . . وهذه الآية مكية ؛ اللهم إلا أن يقال : لا يبعد أن يكون أصل الصدقة والزكاة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ، كقوله تبارك وتعالى : { . . وآتوا حقه يوم حصاده }{[4143]} فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها بالمدينة ؛ ويكون هذا جمعا بين القولين ؛ كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف فرض الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ؛ وفصّل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك شيئا فشيئا ، والله أعلم . ]{[4144]} .


[4141]:سورة هود. من الآية 56.
[4142]:نقل صاحب الجامع لأحكام القرآن عن الزمخشري: فإن قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة..؟ قلت: لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته- واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته-ألا ترى إلى قوله عز وجل:{ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم..}، أي يثبتون أنفسهم، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا، فقويت عصبتهم ولانت شكيمتهم، وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحروب وجوهدوا.وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة وتخويف شديد من منعها، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين، وقرن بالكفر بالآخرة.اهـ.
[4143]:سورة الأنعام. من الآية 141.
[4144]:مابين العارضتين مما أورد الألوسي.