اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ} (6)

قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ } قرأ ابنُ وثابٍ والأعمش : «قَالَ » فعلاً ماضياً خبراً عن الرسول{[48529]} . والرسم يحتملهُما . وقد تقدم مثل هذا في الأنبياء{[48530]} وآخر المؤمنين{[48531]} . وقرأ الأعمشُ والنَّخعيُّ يوحي بكسر{[48532]} الحاء ؟ ؛ أي الله تعالى ، والمعنى إنَّما أنا بشر مثلكم أي كواحد منكم لولا الوحيُ ما دعوتكم { أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ } قال الحسن - رضي الله عنه - عَلَّمَهُ الله التواضع .

قوله : { فاستقيموا إِلَيْهِ } عُدِّي بإلى ؛ لتضمنه معنى توجَّهُوا والمعنى وجِّهُوا استقامتكم إليه بالطاعة ولا تَمِيلوا عن سبيله «واستغفروه » من ذنوبكم{[48533]} .

قوله : { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة } قال ابن عباس رضي الله عنهما : الذي لا يقولون لا إله إلا الله ، وهي زكاة الأنفس . والمعنى لا يُطَهِّرون أنفسهم من الشِّرك بالتوحيد ، وهو مأخوذ من قوله : «وَنَفٍْس ومَا زَكَّاهَا » . وقال الحسن وقتادة : لا يقرِّون بالزكاة ولا يرون إيتاءَها واجباً . وكان يقال : الزكاة قَنْطَرَةُ الإسلام ، فمن قطعها نجا ، ومن تخلف عنها هلك . وقال الضحاك ومقاتل : لا يُنفِقُون في الطاعة ولا يتصدقون ، وقال مجاهد : لا يزكون أعمالهم { وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ }{[48534]} .

فصل

احتج من قال : إن الكفار مخاطبُون بفروع الإسلام بهذه الآية ، فقالوا : إنه تعالى توعدهم بأمرين :

أحدهما : كونهم مشركين .

والثاني : لا يؤتون الزكاة ، فوجب أن يكون لكل واحد من هذين تأثير عظيم في حق وصول الوعيد ، وذلك يدل على أن لعدم إيتاء الزكاة من المشرك تأثير عظيم في زيادة الوعيد وهو المطلوب{[48535]} .

فصل

احتج بعضهم على أن مانع الزكاة كافر بهذه الآية فقال : إن الله تعالى لما ذكر هذه الصفة ذكر قبلها ما يوجب الكفر وهو قوله : «وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ » وذكر بعدها ما يوجب الكفر وهو قوله : { وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ } فلو لم يكن منع الزكاة كفراً لكان ذكره فيما بين الصفتين{[48536]} الموجبتين للكفر قبيحاً ؛ لأن الكلام إنما يكون فصيحاً إذا كانت المناسبة مرعيةً بين أجزائه ، ثم أكدوا ذلك بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حكم بكفر مانعي الزكاة{[48537]} . قال ابن الخطيب : والجواب أنه ثبت بالدليل أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، وهما حاصلان عند عدم إيتاء الزكاة ، فلم يلزم حُصُول الكفر بسبب عدم إيتاء الزكاة والله أعلم{[48538]} .


[48529]:انظر البحر المحيط 7/484 والإتحاف 380، والكشاف 3/444.
[48530]:يريق قوله: {قال رب احكم بالحق} [الأنبياء: 112] وقراءة الماضي هي قراءة حفص والباقون قل.
[48531]:قوله: {قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين} [المؤمنون: 112]، وانظر اللباب 6/118 ب.
[48532]:شاذة غير متواترة مختصر ابن خالويه 133.
[48533]:قاله أبو حيان في البحر 7/484.
[48534]:ذكر هذه الأقوال أبو حيان في مرجعه السابق والبغوي في معالم التنزيل 6/104.
[48535]:الرازي 27/100.
[48536]:كذا في الرازي وفي النسختين الوصفين الموجبين.
[48537]:انظر الرازي 27/100.
[48538]:انظر الرازي 27/100.