واسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { فمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } يعود إلى الكلمات التى قالوها على سبيل التحسر عندما يئسوا من الخلاص والهرب ، وتأكدوا من الهلاك ، وهى قولهم : { ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } .
أى : فما زالوا يرددون تلك الكلمات بتفجع وتحسر واستعطاف .
وسميت هذه الكلمات دعوى ، لأن المولول كأنه يدعو الويل قائلا : أيها الويل هذا أوانك فأقبل نحوى .
وقوله : { حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } بيان لما آل إليه حالهم .
وخامدين : من الخمود بمعنى الهمود والانطفاء والانتهاء . يقال : حمدت النار تخمد خمدا وخمودا ، إذا سكن لهيبها ، وانطفأ شررها .
أى : فما زالت تلك كلماتهم حتى جعلناهم فى الهمود والهلاك كالنبات المحصود بالمناجل ، وكالنار الخامدة بعد اشتعالها .
وهكذا تكون عاقبة الظالمين . وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ يَوَيْلَنَآ إِنّا كُنّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتّىَ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء الذين أحلّ الله بهم بأسه بظلمهم لما نزل بهم بأس الله : يا ويلنا إنا كنا ظالمين بكفرنا بربنا فما زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ يقول : فلم تزل دعواهم ، حين أتاهم بأس الله ، بظلمهم أنفسهم : يا وَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ حتى قتلهم الله ، فحصدهم بالسيف كما يُحْصَد الزرع ويستأصل قَطْعا بالمناجل . وقوله : خامِدِينَ يقول : هالكين قد انطفأت شرارتهم ، وسكنت حركتهم ، فصاروا همودا كما تخمد النار فتطفأ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ . . . الاَية . فلما رأوا العذاب وعاينوه لم يكن لَهُمْ هِجّيرَي إلا قولهم : يا وَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ حتى دمّر الله عليهم وأهلكهم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : قالُوا يا وَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ فمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حتى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا خامِدِينَ يقول : حتى هلكوا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال ابن عباس : حَصِيدا الحصاد . خامدين خمود النار إذا طفئت .
حدثنا سعيد بن الربيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إنهم كانوا أهل حصون ، وإن الله بعث عليهم بختنصر ، فبعث إليهم جيشا فقتلهم بالسيف ، وقتلوا نبيّا لهم فحُصِدوا بالسيف وذلك قوله : فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حتى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا خامِدِينَ بالسيف .
{ فما زالت تلك دعواهم } فما زالوا يرددون ذلك ، وإنما سماه دعوى لأن المولول كأنه يدعوا الويل ويقول : يا ويل تعال فهذا أوانك ، وكل من { تلك } و { دعواهم } يحتمل الاسمية والخبرية . { حتى جعلناهم حصيدا } مثل الحصيد وهو النبت المحصود ولذلك لم يجمع . { خامدين } ميتين من خمدت النار وهو مع { حصيدا } بمنزلة المفعول الثاني كقولك : جعلته حلوا حامضا إذ المعنى : وجعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود أو صفة له أو حال من ضميره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.