ثم قال : { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } . قال مجاهد : المصانع : البروج المشيدة ، والبنيان المخلد . وفي رواية عنه : بروج الحمام .
وقال قتادة : هي مأخذ الماء . قال قتادة : وقرأ بعض القراء{[21809]} : وتتخذون مصانع كأنكم خالدون " .
وفي القراءة المشهورة : { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } أي : لكي تقيموا فيها أبدًا ، وليس ذلك بحاصل لكم ، بل زائل عنكم ، كما زال عمن كان قبلكم .
وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا أبي ، حدثنا الحكم بن موسى ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابن عَجْلان ، حدثني عَوْن بن عبد الله بن عتبة ، أن أبا الدرداء ، رضي الله عنه ، لما رأى ما أحدث المسلمون في الغُوطة من البنيان ونصب الشجر ، قام في مسجدهم فنادى : يا أهل دمشق ، فاجتمعوا إليه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ألا تستحيون ! ألا تستحيون ! تجمعون ما لا تأكلون ، وتبنون ما لا تسكنون ، وتأملون ما لا تدركون ، إنه كانت قبلكم{[21810]} قرون ، يجمعون فيرعون ، ويبنون فيوثقون{[21811]} ، ويأملون فيطيلون ، فأصبح أملهم غرورًا ، وأصبح جمعهم بورًا ، وأصبحت مساكنهم{[21812]} قبورًا ، ألا إن عادًا ملكت ما بين عدن وعمان خيلا وركابًا ، فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين ؟ .
وقوله : وَتَتّخِذُونَ مَصَانِعَ اختلف أهل التأويل في معنى المصانع ، فقال بعضهم : هي قصور مشيدة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَتَتّخِذُونَ مَصَانعَ قال : قصور مشيدة ، وبنيان مخلد .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد مَصَانِعَ : قصور مشيدة وبنيان .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن مجاهد ، قال : مَصَانِعَ يقول : حصون وقصور .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا يحيى بن حسان ، عن مسلم ، عن رجل ، عن مجاهد ، قوله مَصَانعَ لَعَلّكُمْ تَخْلُدُونَ قال : أبرجة الحمام .
وقال آخرون : بل هي مآخذ للماء . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله مَصَانِعَ قال : مآخذ للماء .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن المصانع جمع مصنعة ، والعرب تسمي كل بناء مصنعة ، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورا وحصونا مشيدة ، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء ، ولا خبر يقطع العذر بأيّ ذلك كان ، ولا هو مما يُدرك من جهة العقل . فالصواب أن يقال فيه ، ما قال الله : إنهم كانوا يتخذون مصانع .
وقوله : لَعَلّكُمْ تَخْلُدُنَ يقول : كأنكم تخلدون ، فتبقون في الأرض . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله لَعَلّكُمْ تَخْلُدُونَ يقول : كأنكم تخلدون .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، قال في بعض الحروف وَتَتّخِذُونَ مَصَانِعَ كأنكم تخلدون .
وكان ابن زيد يقول : «لعلكم » في هذا الموضع استفهام . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَتَتّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلّكُمْ تَخْلُدُونَ قال : هذا استفهام ، يقول : لعلكم تخلدون حين تبنون هذه الأشياء ؟
وكان بعض أهل العربية يزعم أن لعلكم في هذا الموضع بمعنى «كيما » .
و «المصانع » جمع مصنع وهو ما صنع وأتقن في بنائه من قصر مشيد ونحوه ، قال قتادة هي مآخذ للماء ، وقوله { لعلكم تخلدون } إما أن يريد على أملكم ورجائكم ، وإما أن يريد الاستفهام على معنى التوبيخ والهزء بهم ، وقرأ الجمهور «تَخلُدون » بفتح التاء وضم اللام ، وقرأ قتادة «تُخلَدون » بضم التاء وفتح اللام يقال خلد الشيء وأخلده غيره ، وقرأ ُأَبْي وعلقمة «لعلكم تُخلَّدون » بضم التاء وفتح الخاء وفتح اللام وشدّها ، وروي عن أبي ، «كأنكم تخلدون » وروي عن ابن مسعود «كي تخلدون » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.