قوله تعالى : { الشيطان يعدكم الفقر } . أي يخوفكم بالفقر ، ويقال وعدته خيراً ووعدته شراً ، قال الله تعالى في الخير ( وعدكم الله مغانم كثيرة ) . وقال في الشر ( النار وعدها الله الذين كفروا ) فإذا لم يذكر الخير والشر قلت : في الخير : وعدته وفي الشر : أوعدته ، والفقر سوء الحال ، وقلة ذات اليد ، وأصله من كسر الفقار ، ومعنى الآية : أن الشيطان يخوفكم بالفقر ، ويقول للرجل أمسك عليك مالك فإنك إذا تصدقت به افتقرت .
قوله تعالى : { ويأمركم بالفحشاء } . أي بالبخل ومنع الزكاة ، وقال الكلبي : كل الفحشاء في القرآن فهو الزنا إلا هذا .
قوله تعالى : { والله يعدكم مغفرة منه وفضلا } . أي لذنوبكم .
قوله تعالى : { والله واسع } . غني .
أخبرنا حسان بن سعيد المنبعي ، أخبرنا أبو طاهر الزيادي ، أخبرنا محمد ابن الحسين القطان ، أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن هشام عن همام بن منبه قال : حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى يقول : ابن آدم أنفق أنفق عليك " وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فأنه لم ينقص ما في يمينه ، قال وعرشه على الماء وبيده الأخرى القسط يرفع ويخفض " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبيد الله بن سعيد ، أخبرنا عبد الله بن نمير أخبرنا هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : " أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك " .
وإياكم أن تتبعوا عدوكم الشيطان الذي يأمركم بالإمساك ، ويخوفكم بالفقر والحاجة إذا أنفقتم ، وليس هذا نصحا لكم ، بل هذا غاية الغش { إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } بل أطيعوا ربكم الذي يأمركم بالنفقة على وجه يسهل عليكم ولا يضركم ، ومع هذا فهو { يعدكم مغفرة } لذنوبكم وتطهيرا لعيوبكم { وفضلا } وإحسانا إليكم في الدنيا والآخرة ، من الخلف العاجل ، وانشراح الصدر ونعيم القلب والروح والقبر ، وحصول ثوابها وتوفيتها يوم القيامة ، وليس هذا عظيما عليه لأنه { واسع } الفضل عظيم الإحسان { عليم } بما يصدر منكم من النفقات قليلها وكثيرها ، سرها وعلنها ، فيجازيكم عليها من سعته وفضله وإحسانه ، فلينظر العبد نفسه إلى أي الداعيين يميل ، فقد تضمنت هاتان الآيتان أمورا عظيمة منها : الحث على الإنفاق ، ومنها : بيان الأسباب الموجبة لذلك ، ومنها : وجوب الزكاة من النقدين وعروض التجارة كلها ، لأنها داخلة في قوله : { من طيبات ما كسبتم } ومنها : وجوب الزكاة في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار والمعادن ، ومنها : أن الزكاة على من له الزرع والثمر لا على صاحب الأرض ، لقوله { أخرجنا لكم } فمن أخرجت له وجبت عليه ومنها : أن الأموال المعدة للاقتناء من العقارات والأواني ونحوها ليس فيها زكاة ، وكذلك الديون والغصوب ونحوهما إذا كانت مجهولة ، أو عند من لا يقدر ربها على استخراجها منه ، ليس فيها زكاة ، لأن الله أوجب النفقة من الأموال التي يحصل فيها النماء الخارج من الأرض ، وأموال التجارة مواساة من نمائها ، وأما الأموال التي غير معدة لذلك ولا مقدورا عليها فليس فيها هذا المعنى ، ومنها : أن الرديء ينهى عن إخراجه ولا يجزئ في الزكاة
ثم حذر الله - تعالى - المؤمنين من وساوس الشيطان وخطواته فقال : { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء } .
قوله : { يَعِدُكُمُ } من الوعد ، وهو في أصل وضعه لغة شائع في الخير والشر ، وأما في الاستعمال الشائع فالوعد في الخير والإِيعاد في الشر . وقد استعمل هنا في الشر نظراً إلى أصل الوضع ، لأن الفقر مما يراه الإِنسان شراً ولذلك يخوف الشيطان به المنفقين فيقول لهم : لا تنفقوا الجيد من أموالكم لأن إنفاقكم هذا يؤدي إلى فقركم ونضوب ما بين أيديكم من أموال .
والفقر هو ما يصيب الإِنسان من سوء في الحال ومن ضعف بسبب قلة المال ، وأصل الفقر في اللغة كسر فقار الظهر ، ثم وصف الإِنسان المحتاج الضعيف بأنه فقير تشبيها له بمن كسر فقار ظهره فأصبح عاجزاً عن الحركة لأن الظهر هو مجمع الحركات ، ومنه تسميتهم المصيبة فاقرة ، وقاصمة الظهر .
والفحشاء والفحش والفاحشة ما عظم قبه من الأفعال والأقوال ، ويرى كشير من العلماء أن المراد بالفحشاء في الآية البخل الشديد فإن كلمة الفاحش تطلق في لغة العرب على البخيل الشديد البخل ، ومن ذلك قول طرفة بن العبد .
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى . . . عقيلة مال الفاحش المتشدد
والمعنى : الشيطان يوعدكم أذا أنفقتم بالفقر وضياع الأموال ويحذركم من الصدقة بما يوسوس في نفوسكم من شرور وآثام ، ويغريكم بارتكاب المعاصي التي من أقبحها البخل الشديد ، والشح المهلك ، فعليكم أن تحذروه وأن تنفقوا من أموالكم في سبيل الله ما يوصلكم إلى رضوانه ورحمته .
قال الجمل : وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الشيطان يخوف الرجل أولا بالفقر ثم يتوصل بهذا التجويف إلى أن يأمره بالفحشاء وهو البخل ، وذلك لأن البخل صفة مذمومة عند كل أحد فلا يستطيع الشيطان أن يحسن له البخل إلا بتلك المقدمة وهي التخويف من الفقر فلهذا قال .
{ الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء } .
وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة - أي همة وخطرة تقع في القلب - فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء } " .
هذا ما يعده الشيطان للإِنسان ، فما الذي يعده الله - تعالى - لعباده ؟ لقد بين - سبحانه - ذلك فقال : { والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
أي : إذا كان الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ، فالله - تعالى - يعدكم مغفرة منه لذنوبكم على ما تنفقونه من أموالكم في سبيله ففي الحديث الشريف " الصدقة تطفئ الخطيئة " ويعدكم - أيضاً - { وَفَضْلاً } أي نماء وزيادة في أموالكم ، فإن الصدقات تزيد البركة في البرزق فيصير القليل منه في يد السخي كثيراً بتوفيق الله وتأييده .
وصدر له سبحانه - الجملة بلفظ الجلالة ، للإِشارة إلى أن الوعد الذي وعد به المنفقين وعد حق لا يمكن أن يخالطه شك أو ريب ، لأنه وعد من الله الذي لا يخلف وعده ، وإذا كان الشيطان يهدد الناس بالفقر عند العطاء ، ويأمرهم بالفحشاء ، فالله - تعالى - يبشر عباده بمغفرته ورضوانه ، بسبب إتفاقهم في السراء والضراء ويعدهم على ذلك بالرزق الوفير ، والفضل الكبير في الدنيا والآخرة .
وقد ختم - سبحانه - الآية بقوله : { والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } تأكيداً لوعده الذي وعد به عباده المتقين المتصدقين بأن يزيدهم من فضله ، أي والله - تعالى - واسع الجود والعطاء والرحمة ، وسيحقق لكم ما وعدكم به من المغفرة وتضعيف ما تنفقونه ، وهو مع ذلك عليم بأحوال عباده صغيرها وكبيرها ، وسيجازي الذين اتبعوا أوامره بجزيل الثواب ، كما سيجازي الذين اتبعوا وسوسة الشيطان بسوء العذاب .
وقوله : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا هَنَّاد بن السِّرِي ، حدثنا أبو الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، عن مرة الهَمْداني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن للشيطان لَلَمّة{[4473]} بابن آدم ، وللمَلك لَمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك فليعلَمْ أنه من الله ، فَلْيحمَد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان " . ثم قرأ : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا } الآية .
وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتابي{[4474]} التفسير من سُنَنَيْهما جميعًا ، عن هَنَّاد بن السِّرِي{[4475]} .
وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي يعلى الموصلي ، عن هَنَّاد ، به{[4476]} . وقال الترمذي : حسن غريب ، وهو حديث أبي الأحوص - يعني سلام بن سليم - لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديثه . كذا قال . وقد رواه أبو بكر بن مَرْدُويه في تفسيره ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عبد الله بن رُسْتَه ، عن هارون الفَرْوِي ، عن أبي ضَمْرة{[4477]} عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن مسعود ، مرفوعًا نحوه .
ولكن رواه مِسْعر ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة ، عن ابن مسعود . فجعله من قوله ، والله أعلم .
ومعنى قوله تعالى : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ } أي : يخوفكم الفقر ، لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله ، { وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ } أي : مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق ، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخَلاق ، قال [ الله ]{[4478]} تعالى : { وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ } أي : في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء { وَفَضْلا } أي : في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر { وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
{ الشّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ وَاللّهُ يَعِدُكُم مّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
يعني بذلك تعالى ذكره : الشيطان يعدكم أيها الناس بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم أن تفتقروا ، { ويأْمُرُكُمْ بالفَحْشَاءِ } يعني : ويأمركم بمعاصي الله عزّ وجلّ ، وترك طاعته { وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ } يعني أن الله عزّ وجلّ يعدكم أيها المؤمنون ، أن يستر عليكم فحشاءكم بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها ، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التي تتصدّقون . { وَفَضْلاً } يعني : ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم ، فيتفضل عليكم من عطاياه ويسبغ عليكم في أرزاقكم . كما :
حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : اثنان من الله ، واثنان من الشيطان ، الشيطان يعدكم الفقر يقول : لا تنفق مالك ، وأمسكه عليك ، فإنك تحتاج إليه ، ويأمركم بالفحشاء¹ والله يعدكم مغفرة منه على هذه المعاصي وفضلاً في الرزق .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { الشّيْطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيأْمُرُكُمْ بالفَحْشاءِ وَاللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً } يقول : مغفرة لفحشائكم ، وفضلاً لفقركم .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ للشّيْطانِ لَمّةً مِنْ ابْنِ آدَمَ وللْمَلَكَ لَمّةً : فأمّا لَمّةٌ الشّيْطانِ : فإيعادٌ بالشّرّ ، وَتَكْذِيبٌ بالحَقّ¹ وأمّا لَمّةُ المَلَكِ : فإيعادٌ بالخَيْرِ ، وَتَصْدِيقٌ بالحَقّ . فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أنّهُ مِنَ اللّهِ وَلْيَحْمَدِ اللّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوّذْ باللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ » ، ثُمّ قَرأ { الشّيطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيأْمُرُكُمْ بالفَحْشاءِ } .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكيم بن بشير بن سليمان ، قال : حدثنا عمرو ، عن عطاء بن السائب ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : إن للإنسان من المَلك لمة ، ومن الشيطان لمة¹ فاللمة من المَلك : إيعاد بالخير ، وتصديق بالحقّ ، واللمة من الشيطان : إيعاد بالشرّ ، وتكذيب بالحقّ . وتلا عبد الله : { الشّيْطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرْكُمْ بالفَحْشاءِ وَاللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً } . قال عمرو : وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال : إذا أحسّ أحدكم من لمة الملك شيئا فليحمد الله ، وليسأله من فضله ، وإذا أحسّ من لمة الشيطان شيئا ، فليستغفر الله وليتعوّذ من الشيطان .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي الأحوص ، أو عن مرّة ، قال : قال عبد الله : ألا إن للملك لمة ، وللشيطان لمة¹ فلمة الملك : إيعاد بالخير وتصديق بالحق ، ولمة الشيطان : إيعاد بالشرّ وتكذيب بالحقّ¹ وذلكم بأن الله يقول : { الشّيْطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيأمُرُكُمْ بالفَحْشَاءِ واللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } فإذا وجدتم من هذه شيئا فاحمدوا الله عليه ، وإذا وجدتم من هذه شيئا فتعوّذوا بالله من الشيطان .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : { الشّيْطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأمُرُكُمْ بالفَحْشاءِ } قال : إن للمَلَكِ لَمّةً ، وللشيطان لمة¹ ؛ فَلَمّة المَلَك¹ إيعادٌ بالخير وتصديق بالحقّ ، فمَن وجدها فليحمد الله¹ ولمة الشيطان : إيعاد بالشرّ وتكذيب بالحقّ ، فمن وجدها فليستعذ بالله .
حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا حجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن مرة الهمداني أن ابن مسعود قال : إن للملك لمة ، وللشيطان لمة¹ فلمة الملك : إيعاد بالخير وتصديق بالحقّ ، ولمة الشيطان : إيعاد بالشرّ وتكذيب بالحقّ . فمن أحسّ من لمة الملك شيئا فليحمد الله عليه ، ومن أحسّ من لمة الشيطان شيئا فليتعوّذ بالله منه . ثم تلا هذه الآية : { الشّيْطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيأمُرُكُمْ بالفَحْشَاءِ وَاللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَالله وَاسعٌ عَلِيمٌ } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن فطر ، عن المسيب بن رافع ، عن عامر بن عبدة ، عن عبد الله ، بنحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن مرّة بن شراحيل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : إن للشيطان لمة ، وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فتكذيب بالحقّ وإيعاد بالشرّ . وأما لمة الملك : فإيعاد بالخير وتصديق بالحقّ . فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله عليه . ومن وجد الأخرى فليستعذ من الشيطان . ثم قرأ : { الشّيْطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بالفَحْشاءِ وَاللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
( يعني تعالى ذكره : والله واسع الفضل الذي يعدكم أن يعطيكموه من فضله وسعة خزائنه ، عليم بنفقاتكم وصدقاتكم التي تنفقون وتصدّقون بها ، يحصيها لكم حتى يجازيكم بها عند مقدمكم عليه في آخرتكم .
{ الشيطان يعدكم الفقر } في الإنفاق ، والوعد في الأصل شائع في الخير والشر . وقرئ { الفقر } بالضم والسكون وبضمتين وفتحتين . { ويأمركم بالفحشاء } ويغريكم على البخل ، والعرب تسمي البخيل فاحشا . وقيل المعاصي { والله يعدكم مغفرة منه } أي يعدكم في الإنفاق مغفرة لذنوبكم . { وفضلا } خلفا أفضل مما أنفقتم في الدنيا ، أو في الآخرة . { والله واسع } أي واسع الفضل لمن أنفق . { عليم } بإنفاقه .