السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

{ الشيطان يعدكم الفقر } أي : يخوّفكم به إن تصدّقتم ويقال : وعدته خيراً ووعدته شراً قال تعالى في الخير : { وعدكم الله مغانم كثيرة } ( الفتح ، 20 ) وقال في الشر : { النار وعدها الله الذين كفروا } ( الحج ، 72 ) فإذا لم يذكر الخير والشر قلت : في الخير وعدته ، وفي الشر : أوعدته والفقر سوء الحال وقلة ما في اليد وأصله من كسر الفقار ومعنى الآية أن الشيطان يخوّفكم بالفقر ، ويقول للرجل : أمسك مالك فإنك إذا تصدّقت افتقرت .

{ ويأمركم بالفحشاء } أي : بالبخل ومنع الزكاة قال الكلبي : كل فحشاء في القرآن فهو الزناء إلا في هذا الموضع .

{ والله يعدكم مغفرة منه } لما وقع منكم من تقصير وفيه إشعار بأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره ، لما له من الإحاطة بصفات الكمال ، ولما جبل عليه الإنسان من النقص .

{ وفضلاً } بالزيادة في الدارين وكل نعمة منه فضل ثم أكد ذلك بقوله تعالى : { والله واسع } فضله { عليم } بالمنفق وغيره .

وفيه إشارة إلى أنه لا يضيع شيئاً وإن دقّ ، وعن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله تعالى قال : يا ابن آدم أنفق أنفق عليك ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق مند خلق السماوات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه ) قال : ( وعرشه على الماء وبيده الأخرى القسط يرفع ويخفض ) وعن أسماء أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعى الله عليك ) .