وقوله تعالى : { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر . . . } [ البقرة :268 ] .
هذه الآيةُ وما بعدها ، وإِن لم تكُنْ أمراً بالصدقة ، فهي جالبةُ النفوس إلى الصدقة ، بيَّن -عزَّ وجلَّ- فيها نزغاتِ الشيطانِ ، ووسوستَهُ ، وعداوتَهُ ، وذكَّر بثوابه هو سبحانه ، لا رَبَّ غيره ، وذَكَّر بتفضُّله بالحكْمة ، وأثنى عليها ، ونبَّه أنَّ أهل العقول هم المتذكِّرون الذين يقيمُونَ بالحكْمة قدْرَ الإِنفاق في طاعةِ اللَّه ، وغير ذلك ، ثم ذكر سبحانه علْمَهُ بكلِّ نفقة ونَذْر ، وفي ذلك وعْدٌ ، ووعيدٌ ، ثم بيَّن الحِكَمَ في الإِعلان والإِخفاء ، وكذلك إِلى آخر المعنى .
والوعد ، في كلامِ العربِ ، إِذا أطلق فهو في الخير ، وإِذا قُيِّد بالموعود ، فقد يقيد بالخَيْر ، وقد يقيَّد بالشر ، كالبِشَارة ، وهذه الآية مما قُيِّدَ الوعْدُ فيها بمكْرُوه ، والفَحْشَاءُ : كلُّ ما فَحُشَ ، وفَحُشَ ذكْرُه ، روى ابْنُ مسعودٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً مِن ابن آدَمَ ، وَلِلْمَلِكِ لَمَّةً ، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ ، فَإِيعَادٌ بالشَّرِّ ، وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ ، وأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ ، فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ ، وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ ، فَلْيَعْلَمْ أنَّهُ مِنَ اللَّهِ ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ الأخرى ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ) .
ثُمَّ قرأَ صلى الله عليه وسلم : { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشاء . . . } الآية ، قُلْتُ : هذا حديثٌ صحيحٌ ، خرَّجه أبو عيسَى التِّرمذيُّ ، وقال فيه : حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ ، والمغفرةُ : هي السَّتْر على عبادِهِ في الدنيا والآخرة ، والفَضْل : هو الرزق في الدنيا ، والتوسعةُ فيه ، والنَّعِيمُ في الآخرة ، وَبِكُلٍّ قدْ وعد اللَّه جلَّ وعلاَ ، وروي أنَّ في التوراة : ( عَبْدِي ، أَنْفِقْ مِنْ رِزْقِي ، أَبْسُطْ عَلَيْكَ فَضْلِي ، فَإِنَّ يَدِي مَبْسُوطَةٌ على كُلِّ يَدٍ مَبْسُوطَةٍ ) ، وفي القُرآن مصداقه ، وهو : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرازقين } [ سبأ : 39 ] .
( ت ) : روى الطَّبرانيُّ سليمانُ بْنُ أحْمَدَ ، بسنده عَنْ عبد اللَّه بنِ عمرٍو ، قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ حتى يُشْبِعَهُ ، وسَقَاهُ مِنَ المَاءِ ، حتى يَرْوِيَهُ ، بَعَّدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ سَبْعَ خَنَادِقَ ، مَا بَيْنَ كُلِّ خَنْدَقَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ ) . انتهى .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي اللَّه عنه- عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِماً ثَوْباً على عُرْيٍ ، كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِماً على جُوعٍ ، أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ ، وأَيُّمَا مُسْلِمٍ سقى مُسْلِماً على ظَمَأٍ ، سَقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ ) . أخرجه أبو داود ، مِنْ حديثِ أبي خالدٍ ، هو الدَّولانِي عن نُبَيْح ، وقد وثَّق أبو حاتم أبا خالدٍ ، وسُئِل أبو زُرْعَة عن نُبَيْح ، فقال : هو كوفيٌّ ثقة . انتهى من «الإِلمام في أحاديثِ الإحْكَامِ » ، لابن دقيقِ العِيدِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.