إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

{ الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر } الوعدُ هو الإخبارُ بما سيكون من جهة المخبِر مترتباً على شيء من زمان أو غيره يُستعمل في الشر استعمالَه في الخير قال تعالى : { النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ } [ الحج ، الآية : 72 ] أي يعدُكم في الإنفاق الفقرَ ويقول : إن عاقبة إنفاقِكم أن تفتقِروا وإنما عبر عن ذلك بالوعد مع أن الشيطان لم يُضِف مجيءَ الفقرِ إلى جهته للإيذان بمبالغته في الإخبار بتحقق مجيئه كأنه نزّله في تقرّر الوقوعِ منزلةَ أفعالِه الواقعةِ بحسب إرادته ، أو لوقوعه في مقابلة وعدِه تعالى على طريقة المشاكلة وقرئ بضم الفاء والسكون وبضمتين وبفتحتين { وَيَأْمُرُكُم بالفحشاء } أي بالخَصلة الفحشاء أي ويغريكم على البخل ومنه الصدقاتُ إغراءُ الآمرِ للمأمور على فعل المأمور به والعربُ تسمي البخيلَ فاحشاً قال طرفةُ بن العبد : [ الطويل ]

أرى الموتَ يعتامُ الكرامَ ويصطفي *** عقيلةَ مالِ الفاحشِ المتشدِّدِ{[106]}

وقيل بالمعاصي والسيِّئات { والله يَعِدُكُم } أي في الإنفاق { مَغْفِرَةٍ } لذنوبكم والجارُّ في قوله تعالى : { مِنْهُ } متعلقٌ بمحذوف هو صفةٌ لمغفرةً مؤكدةٌ لفخامتها التي أفادها تنكيرُها أي مغفرةً أيَّ مغفرةٍ كائنةً منه عز وجل { وَفَضْلاً } صفتُه محذوفةٌ لدلالة المذكور عليها كما في قوله تعالى : { فانقلبوا بِنِعْمَةٍ منَ الله وَفَضْلٍ } [ آل عمران ، الآية 174 ] ونظائرِه أي وفضلاً كائناً منه تعالى أي خلَفاً مما أنفقتم زائداً عليه في الدنيا ، وفيه تكذيبٌ للشيطان ، وقيل : ثواباً في الآخرة { والله واسع } قدرةً وفضلاً فيحقق ما وعدكم به من المغفرة وإخلافِ ما تنفقونه { عَلِيمٌ } مبالِغٌ في العلم فيعلم إنفاقَكم فلا يكاد يُضيع أجرَكم أو يعلمُ ما سيكون من المغفرة والفضل فلا احتمال للخُلْف في الوعد ، والجملةُ تذييلٌ مقررٌ لمضمون ما قبله .


[106]:ورد في ديوانه ص 34 ولسان العرب 3/234 (شدد) 6/326 (فحش)؛ 12/433 (عيم).