فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

قوله : { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر } قد تقدّم معنى الشيطان ، واشتقاقه . و { يعدكم } معناه يخوّفكم الفقر أي : بالفقر لئلا تنفقوا ، فهذه الآية متصلة بما قبلها . وقرئ : «الفقر » بضم الفاء ، وهي لغة . قال الجوهري : والفقر لغة في الفقر ، مثل الضعف ، والضعف . والفحشاء الخصلة الفحشاء ، وهي المعاصي ، والإنفاق فيها ، والبخل عن الإنفاق في الطاعات .

قال في الكشاف : والفاحش عند العرب البخيل . انتهى . ومنه قول طرفة بن العبد :

أَرَى الموتَ يَعْتامُ الكِرَامَ وَيصْطَفِى *** عَقِيلةَ مالِ الفَاحِش المُتَشَدِّدِ

ولكن العرب ، وإن أطلقته على البخيل ، فذلك لا ينافي إطلاقهم له على غيره من المعاصي ، وقد وقع كثيراً في كلامهم . وقوله : { والله يَعِدُكُم مغْفِرَةً منْهُ وَفَضْلاً } الوعد في كلام العرب : إذا أطلق ، فهو في الخير ، وإذا قيد ، فقد يقيد تارة بالخير ، وتارة بالشرّ . ومنه قوله تعالى : { النار وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُوا } [ الحج : 72 ] ومنه أيضاً ما في هذه الآية من تقييد ، وعد الشيطان بالفقر ، وتقييد وعد الله سبحانه بالمغفرة ، والفضل . والمغفرة : الستر على عباده في الدنيا ، والآخرة لذنوبهم ، وكفارتها ، والفضل أن يخلف عليهم أفضل مما أنفقوا ، فيوسع لهم في أرزاقهم ، وينعم عليهم في الآخرة بما هو أفضل ، وأكثر ، وأجل ، وأجمل .

/خ271