قوله تعالى : { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } ، يعني : الذنوب كلها لأنها لا تخلو من هذين الوجهين ، قال قتادة : علانيته وسره ، وقال مجاهد : ظاهره ما يعمله الإنسان بالجوارح من الذنوب ، وباطنه ما ينويه ويقصده بقلبه ، كالمصر على الذنب القاصد له . قال الكلبي : ظاهره الزنا ، وباطنه المخالفة . وأكثر المفسرين على أن ظاهر الإثم الإعلان بالزنا ، وهم أصحاب الرايات ، وباطنه الاستسرار به ، وذلك أن العرب كانوا يحبون الزنا ، وكان الشريف منهم يتشرف فيسر به ، وغير الشريف لا يبالي به فيظهره ، فحرمهما الله عز وجل ، وقال سعيد بن جبير : ظاهر الإثم نكاح المحارم ، وباطنه الزنا . وقال ابن زيد : إن ظاهر الإثم التجرد من الثياب ، والتعري في الطواف ، والباطن الزنا ، وروى حيان ، عن الكلبي : ظاهر الإثم طواف الرجال بالبيت نهاراً عراة ، وباطنه طواف النساء بالليل عرايا .
{ 120 } { وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ } المراد بالإثم : جميع المعاصي ، التي تؤثم العبد ، أي : توقعه في الإثم ، والحرج ، من الأشياء المتعلقة بحقوق الله ، وحقوق عباده . فنهى الله عباده ، عن اقتراف الإثم الظاهر والباطن ، أي : السر والعلانية ، المتعلقة بالبدن والجوارح ، والمتعلقة بالقلب ، ولا يتم للعبد ، ترك المعاصي الظاهرة والباطنة ، إلا بعد معرفتها ، والبحث عنها ، فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن ، والعلمُ بذلك واجبا متعينا على المكلف .
وكثير من الناس ، تخفى عليه كثير من المعاصي ، خصوصا معاصي القلب ، كالكبر والعجب والرياء ، ونحو ذلك ، حتى إنه يكون به كثير منها ، وهو لا يحس به ولا يشعر ، وهذا من الإعراض عن العلم ، وعدم البصيرة .
ثم أخبر تعالى ، أن الذين يكسبون الإثم الظاهر والباطن ، سيجزون على حسب كسبهم ، وعلى قدر ذنوبهم ، قلَّت أو كثرت ، وهذا الجزاء يكون في الآخرة ، وقد يكون في الدنيا ، يعاقب العبد ، فيخفف عنه بذلك من سيئاته .
ثم أمر الله عباده أن يتركوا ما ظهر من الآثام وما استتر فقال :
{ وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإثم وَبَاطِنَهُ } أى اتركوا جميع المعاصى ما كان منها سرا وما كان منها علانية ، أو ما كان منها بالجوارج وما كان منها بالقلوب ، لأن الله - تعالى - لا يخفى عليه شىء .
ثم بين - سبحانه - عاقبة المرتكبين للآثام فقال : { إِنَّ الذين يَكْسِبُونَ الإثم سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } أى : إن الذين يعملون المعاصى ويرتكبون القبائح الظاهرة والباطنة لن ينجو من المحاسبة والمؤاخذة بل سيجزون بما يستحقونه من عقوبات بسبب اجتراحهم للسيئات .
قال مجاهد : { وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ } معصيته في السر والعلانية - وفي رواية عنه [ قال ]{[11106]} هو ما ينوى مما هو عامل .
وقال : قتادة : { وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ } أي : قليله وكثيره ، سره وعلانيته{[11107]}
وقال السُّدِّي : ظاهره الزنا مع البغايا ذوات الرايات ، وباطنه : [ الزنا ]{[11108]} مع الخليلة والصدائق والأخدان .
وقال عِكْرِمة : ظاهره : نكاح ذوات المحارم .
والصحيح أن الآية عامة في ذلك كله ، وهي كقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا ] {[11109]} } الآية [ الأعراف : 33 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ } أي : سواء كان ظاهرًا أو خفيًا ، فإن الله سيجزيهم عليه .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جُبَيْر بن نُفَير ، عن أبيه ، عن النواس بن سمعان قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإثم فقال : " الإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع الناس عليه " {[11110]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.