لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَيُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُواْ يَقۡتَرِفُونَ} (120)

قوله عز وجل : { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } يعني وذروا أيها الناس ما يوجب الإثم وهي الذنوب والمعاصي كلها سرها وعلانيتها قليلها وكثيرها ، قال الربيع بن أنس : نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه أن يعمل به سراً وعلانية وقال سعيد بن جبير : في هذه الآية الظاهر منه قوله : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } ونكاح المحارم من الأمهات والبنات والأخوات والباطن الزنا ، وقال السدي : أما الظاهر فالزواني في الحوانيت وهنَّ أصحاب الرايات .

وأما الباطن فالمرأة يتخذها الرجل صديقة فيأتيها سراً ، وقال الضحاك : كان أهل الجاهلية يستسرون بالزنا ويرون أن ذلك حلالاً ما كان سراً فحرم الله السر منه والعلانية ، وقال ابن زيد : ظاهر الإثم التجرد من الثياب والتعري في الطواف والباطن الزنا ، وقال الكلبي : ظاهر الإثم طواف الرجال بالبيت نهاراً عراة وباطنه طواف النساء بالليل عراة وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك إلى أن جاء الإسلام فنهى الله عن ذلك كله . وقيل : إن هذا النهي عام في جميع المحرمات التي نهى الله عنها وهو الأصح لأن تخصيص العام بصورة معينة من غير دليل لا يجوز ، فعلى هذا القول يكون معنى الآية وذروا ما أعلنتم به وما أسررتم من الذنوب كلها ، قال ابن الأنباري : وذروا الإثم من جميع جهاته . وقيل : المراد بظاهر الإثم الإقدام على الذنوب من غير مبالاة وباطنه ترك الذنوب لخوف الله عز وجل لا خوف الناس وقيل المراد بظاهر الإثم أفعال الجوارح وباطنه أفعال القلوب فيدخل في ذلك الحسد والكبر والعجب إرادة السوء للمسلمين ونحو ذلك .

وقوله عز وجل : { إن الذين يكسبون الإثم } يعني إن الذين يعملون بما نهاهم الله عنه ويرتكبون ما حرم عليهم من المعاصي وغيرها { سيجزون } يعني في الآخرة { بما كانوا يقترفون } يعني بما كانوا يسكبون في الدنيا من الآثام وظاهر هذا النص يدل على عقاب المذنب أنه مخصوص بمن لم يتب لأن المسلمين أجمعوا على أنه إذا تاب العبد من الذنب توبة صحيحة لم يعاقب وزاد أهل السنة في ذلك ، فقالوا : المذنب إذا لم يتب فهو في خطر المشيئة إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه بفضله وكرمه ، وقوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال بن عباس : الآية في تحريم الميتات وما في معناها من المنخنقة وغيرها ، وقال عطاء الآية في تحريم الذبائح التي كانوا يذبحونها على اسم الأصنام اه .

( فصل )

اختلف العلماء في ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها فذهب قوم إلى تحريمها سواء تركها عامداً أو ناسياً : وهو قول ابن سيرين والشعبي ونقله الإمام فخر الدين الرازي عن مالك ، ونقل عن عطاء أنه قال : كل ما لم يذكر اسم الله عليه من طعام أو شراب فهو حرام . احتجوا في ذلك بظاهر هذه الآية . وقال الثوري وأبو حنيفة : إن ترك التسمية عامداً لا تحل وإن تركها ناسياً تحل . وقال الشافعي : تحل الذبيحة سواء ترك التسمية عامداً أو ناسياً ، ونقله البغوي عن ابن عباس ومالك ونقل ابن الجوزي عن أحمد روايتين : فيما إذا ترك التسمية عامداً وإن تركها ناسياً حلت فمن أباح أكل الذبحة التي لم يذكر اسم الله عليها قال : المراد من الآية الميتات وما ذبح على اسم الأصنام بدليل أنه قال تعالى في سياق الآية { وإنه لفسق } وأجمع العلماء على أن آكل ذبيحة المسلم التي تُرك التسمية عليها لا يفسق واحتجوا أيضاً في إباحتها بما روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قلت يا رسول الله إن هنا أقواماً حديثاً عهدهم بشرك يأتوننا بلحمان فما ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا قال «اذكروا أنتم اسم الله وكلوا » قالوا لو كانت التسمية شرطاً للإباحة لكان الشك في وجودها مانعاً من أكلها كالشك في أصل الذبح وقول الشافعي في أول الآية وإن كان عاماً بحسب الصيغة غلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة وهي قوله وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم أنكم لمشركون علمنا أن المراد من هذا العموم هو الخصوص والفسق ذكر اسم غير الله في الذبح ما قال في آخر السورة { قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه } إلى قوله { أو فسق أهل لغير الله به } فصار هذا الفسق الذي أهلّ لغير الله به مفسراً لقوله { وإنه لفسق } وإذا كان كذلك كان قوله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } .